ماكرون والسيسي يثبتان شراكة استراتيجية «بلا شروط»
باريس تشكر القاهرة على موقفها في «أزمة الرسوم» وتوافق بين البلدين حول شرق المتوسط وليبيا
توج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي زيارة مثمرة إلى فرنسا التي وجدت في الزيارة فرصة جديدة لتثبيت أركان الشراكة الاستراتيجية مع مصر وتأكيد أنها أكبر من أي شروط أو قيود، لأنها تعالج ملفات شديدة الأهمية بدءاً من مخاطر الإرهاب وصولاً إلى صراع الغاز في شرق المتوسط.
ثبت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حلفه الاستراتيجي مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي يقوم بزيارة رسمية إلى فرنسا، قبل أيام من قمة أوروبية ستبحث فرض عقوبات على تركيا التي تصطدم مع باريس والقاهرة في عدة ملفات أبرزها في ليبيا وشرق المتوسط. وبدا أن التنسيق بين القاهرة وباريس في عدد من الملفات خصوصاً ملف مكافحة الإرهاب والتطرف، والوضع في ليبيا وشرق المتوسط، وتعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري، لها الأولوية، فجاءت لهجة ماكرون مختلفة كلية عن الحدة الذي تميز بها عند حديثه عن ملف حقوق الإنسان خلال زيارته للقاهرة يناير 2019.
لا شروط
وخلال مؤتمر صحافي لهما في باريس، أمس، أكد ماكرون أنه لن يفرض أي شروط على التعاون العسكري والاقتصادي مع مصر، بسبب ملف حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن الشروط قد تؤدي إلى إضعاف أهم شريك لباريس في مواجهة الإرهاب.وأعرب الرئيس ماكرون عن رغبته في التركيز على الحوار مع مصر حول موضوع حقوق الإنسان بدلاً من المقاطعة.وقال: "المجتمع المدني الديناميكي والنشيط والتكاملي يظل أفضل حصن ضد التطرف". وأشار ماكرون إلى أنه تحدث بصراحة مع السيسي عن ملف حقوق الإنسان بما في ذلك الحالات الفردية، كما تم تقديم قائمة بأسماء معتقلين لإطلاق سراحهم، وذكر صراحة اسم رامي شعث، نجل وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق نبيل شعث، والموجود حالياً في سجون القاهرة، وأشاد بإطلاق سراح مديري المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والذين أطلقت السلطات المصرية سراحهم قبيل زيارة السيسي إلى باريس.من جهته، قال الرئيس المصري: "لدينا أكثر من 55 ألف جمعية للمجتمع المدني مرخصة وتعمل في مصر، وهي جزء مهم وأصيل جداً في العمل الأهلي وهي تعمل بلا قيود".وفي رد على سؤال، انتقد محاولات تقديم الحكومة المصرية "كأننا لا نحترم الناس ولا نحب مجتمعنا، وأننا قادة مستبدون، وهذا أمر لا يليق أن يتم تقديم الدولة المصرية بكل ما تفعله من أجل شعبها ومن أجل استقرار المنطقة، على أنها نظام مستبد، هذا أمر ولّى... مصر فيها أكثر من 65 مليون شاب لا يمكن أحد يقدر يكبله أو يفرض عليه نظام لا يقبله".ولخص السيسي مهمته في "حماية دولة من تنظيم متطرف بقي له أكثر من 90 سنة في مصر، واستطاع خلال هذه المدة بناء قواعد ليس في مصر وحدها بل في العالم كله، وإذا كنتوا بتتكلموا عن المعاناة هنا في فرنسا من بعض التطرف، فهذا جزء من الأفكار التي تم نقلها لبعض التابعين لهم في فرنسا وأوروبا... أنا مطالب بحماية 100 مليون من المصير".وتابع: "كنت أتمنى من الذي يسأل السؤال يقول ما أخبار ليبيا والعراق وسورية واليمن ولبنان وأفغانستان وباكستان؟ إحنا ماعندناش حاجة نخاف منها أو نحرج منها، نحن أمة نجاهد من أجل بناء مستقبل لشعبها في ظروف شديدة القسوة وفي منطقة شديدة الاضطراب".أزمة الرسوم
وشكر ماكرون كذلك نظيره المصري الذي يترأس "بلداً عربياً وإسلامياً مهماً جداً" على زيارته لباريس بعد "حملة الكراهية" ضد فرنسا في العالم الإسلامي.وأكد ماكرون، أن فرنسا ومصر "متحدتان" لبناء "حيز لا مكان فيه لأحكام الموت وخطابات الكراهية عندما يتم ببساطة التعبير عن الحريات".وذكّر الرئيس المصري بأن مصر دانت قتل الأستاذ الفرنسي سامويل باتي بيد لاجئ شيشاني، مضيفاً أن بلاده تقف "بمنتهى الحزم والشدة ضد أي عمل إرهابي وتدينه". لكنه شدد على الطابع "المقدس" للدين الذي رأى أنه "يسمو على القيم الإنسانية".وقال السيسي، "من حق الإنسان أن يعتنق ما يعتنق ويرفض ما يرفض"، لكنه رأى أنه "يجب ألا يكون التعبير عن الرأي سبباً بجرح مشاعر مئات الملايين".وفي رد على سؤال عن حرية التعبير وأزمة الرسوم، قال ماكرون: "بعض الرسوم المسيئة صدمتكم وأنا آسف من صدمة هذه الرسوم لكن مرفوض تماماً إضفاء شرعية العنف ضد من يرسم أو يكتب".أما السيسي، فأشار إلى أن المحادثات كانت فرصة مهمة لتشجيع قيم التسامح والاعتدال بين الأديان والحضارات والشعوب، ومحاربة ظواهر التطرف والإرهاب وكراهية الآخر، بما يسهم في تعزيز الحوار بين أصحاب الأديان والثقافات. وشدد الرئيس المصري على عدم ربط الإرهاب بأي دين وعدم الإساءة للرموز والمعتقدات المقدسة، والتمييز الكامل بين الإسلام كديانة سماوية عظيمة وبين ممارسات بعض العناصر المتطرفة.وعندما قال السيسي، إن "القيم الدينية أكبر بكثير من القيم الإنسانية التي صنعها البشر"، رد ماكرون: "أعتقد أن التاريخ هنا يمكن أن يتأتئ. نحن نعتبر أن قيمة الانسان فوق كل شيء. هذه فلسفة التنوير وهذا ما يجعل من حقوق الإنسان مبادئ عالمية وهي في ميثاق الأمم المتحدة. لا شيء فوق الإنسان واحترام كرامة البشر".ليبيا وتركيا
وعلى صعيد مناقشة ملفات المنطقة المشتعلة والعلاقات الثنائية، شدد ماكرون على أنه في وقت تضرب أزمة صحية واقتصادية غير مسبوقة العالم، تقوم بعض القوى على ضرب الاستقرار في المنطقة، في إشارة إلى تركيا. من ناحيته، قال السيسي، "اتفقنا على ضرورة تصدي المجتمع الدولي للسياسات العدوانية والاستفزازية التي تنتهجها قوة إقليمية لا تحترم مبادئ القانون الدولي وحسن الجوار وتدعم المنظمات الإرهابية وتؤجج الصراعات بالمنطقة".وقال ماكرون، إنه على الرغم من إحراز تقدم في تحقيق الاستقرار في ليبيا لكن التهديد من أطراف خارجية لا يزال قائماً مضيفاً أن بعض القوى قررت جعل ليبيا مسرحاً للعبة النفوذ بدلاً من أن تكون مكاناً لاستقرار الشعب الليبي.من جانبه، قال السيسي: "شددنا على أنَّ الحل السياسي الشامل في ليبيا هو سبيل استقرار هذ البلد الشقيق، وأكّدنا ضرورة تفكيك الميليشيات المسلحة وخروج كل القوة الأجنبية من ليبيا".وتطرقت المحادثات إلى ملف السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وآخر تطورات مباحثات سد النهضة مع الرئيس الفرنسي والمساعي المصرية للتوصل لاتفاق قانوني ملزم ومتوازن للملء والتشغيل ويراعي مصالح مصر وإثيوبيا والسودان، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر وفرنسا، وزيادة الاستثمارات الفرنسية في مصر.
لدينا أكثر من 55 ألف جمعية للمجتمع المدني مرخصة وعاملة الرئيس المصري