في مسعى عالمي يشكل أحد أكبر التحديات اللوجستية عبر التاريخ في وقت السلم، بدأت بريطانيا التطعيم الجماعي لسكانها ضد فيروس «كورونا» المستجدّ، أمس، لتصبح بذلك أول دولة غربية تطلق برنامج تلقيح واسع النطاق ضد هذا الوباء.

ووسط عمليات نقل «معقدة» للقاح الذي طورته شركتا «فايزر» و«بيونتك»، أحيطت بكثير من السرية، وتحت حراسة مشددة من الجيش، رحّب رئيس الوزراء بوريس جونسون ببدء حملة التطعيم وشكر العاملين في مجال الصحة والعلماء ومن تطوعوا للتجارب في هذا البلد الذي يسجل أكبر عدد وفيات بالفيروس في أوروبا (61 ألفاً و500 وفاة).

Ad

وقال جونسون: «سنتغلب على هذا الأمر معاً»، وحضّ المواطنين على مواصلة اتّباع الإرشادات التي تهدف إلى تحجيم انتشار الفيروس.

أول بريطانيين

وأصبحت مارغريت كينان، وهي جدة ستبلغ من العمر 91 عاماً خلال أسبوع، أول بريطانية تتلقى لقاح «فايزر» عندما حصلت على الجرعة في المستشفى المحلي في كوفنتري وسط إنكلترا.

وقالت: «إنها أفضل هدية عيد ميلاد مبكرة كنت أتمنى أن أحصل عليها، لأنها تعني أنه يمكنني أخيراً أن أتطلع إلى قضاء بعض الوقت مع عائلتي وأصدقائي في العام الجديد بعد أن كنت بمفردي معظم العام».

ووفقاً لـ»هيئة الإذاعة البريطانية» BBC، فإن رجلاً مسناً يُدعى ويليام شكسبير أصبح ثاني شخص يتلقى اللقاح، مضيفةً أن الصدفة شاءت أن يكون اسمه مطابقاً لاسم أيقونة المسرح والشعر البريطاني الراحل.

وقالت وزارة الصحة، إن 90 شخصاً تلقوا اللقاح في أول 15 دقيقة من بدء حملة التطعيم، في نحو 70 مستشفى.

هانكوك ويوم النصر

وشبه وزير الصحة مات هانكوك أمس بـ»يوم النصر» في الحرب العالمية الثانية، معتبراً أن «الأسبوع المقبل سيكون تاريخياً».

وقال هانكوك بينما كان يغالب دموعه على الهواء مباشرة:»كانت سنة صعبة على الكثير من الناس»، مضيفاً: «إذا تمكّنا من القيام بذلك لكل شخص عرضة للإصابة بهذا المرض، فيمكننا المضي قدماً والعودة إلى الوضع الطبيعي»، مضيفاً أنه يتوقع تطعيم الملايين بحلول نهاية العام.

وأوضح أنه بحلول الربيع ستنتهي عملية التطعيم للأشخاص الأكثر عرضة لـ»كورونا»، مشيراً إلى أن «حملة التطعيم الواسعة ستبدأ اعتباراً من بداية العام الجديد... وستشمل المراكز الطبية في المملكة المتحدة».

وقال مدير هيئة الخدمات الصحية الوطنية ستيفن بويس حملة التلقيح، وهي الأكبر بتاريخ نظام الرعاية الصحية، إنها «ماراثون» في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 66 مليون نسمة.

ومن المتوقع أن يتم توفير نحو 800 ألف جرعة خلال الأسبوع الأول، مع إعطاء الأولوية لسكان دور الرعاية ومقدمي الرعاية ومن تزيد أعمارهم على 80 عاماً وبعض العاملين في مجال الخدمات الصحية.

وفي المجمل، طلبت بريطانيا 40 مليون جرعة من لقاح «فايزر ـــ بيونتك».

ويحتاج كل شخص إلى جرعتين من اللقاح ومن ثم يكفي هذا الطلب 20 مليون شخصاً في البلد الذي يسكنه 67 مليوناً. كما طلبت 357 مليون جرعة من سبعة لقاحات مختلفة.

الاستعانة بالجيش

وأحاطت الحكومة البريطانية عملية نقل اللقاح من بلجيكا إلى المملكة المتحدة، بكثير من السرية، وتحت حراسة مشددة خوفاً من هجمات محتملة ضد الشاحنات، التي تحمل هذه اللقاحات. وجرى لهذا الغرض استخدام شاحنات من دون هوية محددة، حتى لا تثير أي انتباه، كما أبقت الحكومة أماكن تخزين اللقاح سرية، إلى حين وصولها للمستشفيات المختارة.

ولم تكن عملية النقل سهلة، إذ تطلبت تدخل الجيش لتوفير الحماية والتأمين لهذه العملية. وأعلنت وزارة الدفاع أن 60 طائرة عسكرية تعمل مع الحكومة لنقل اللقاح.

وأعلن الجيش البريطاني أن 13 ألف عنصر على أهبة الاستعداد للمشاركة في عملية توزيع اللقاح، كما أن هناك احتمالاً للاعتماد على طائرات الشحن العسكرية، في حال تم الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق (بريكست)، وذلك لتجنب أي تأخير أو تعطيل في عملية نقل اللقاح.

5 أيام في الثلاجة

وبريطانيا، بلد صغير نسبياً ويتمتع ببنية تحتية جيدة. ومع ذلك، فإن التحديات اللوجستية في توزيع اللقاح، والذي لا يمكن حفظه في ثلاجة عادية سوى 5 أيام فحسب، تعني أنه سيذهب أولاً إلى عشرات المستشفيات ولا يمكن نقله إلى دور الرعاية بعد.

قد يكون النقل والتوزيع أكثر صعوبة في البلدان الأكبر، بما في ذلك الولايات المتحدة والهند الأكثر تضرراً من الوباء، وفي الدول الأكثر دفئاً.

ويُنظر إلى اللقاح الثالث الذي نجحت تجربته، والذي طورته شركة «أسترا زينيكا» و»جامعة أكسفورد»، على أنه أحد أفضل الآمال للعديد من البلدان النامية لأنه أرخص ويمكن نقله في درجات حرارة الثلاجة العادية. وخلصت نتائج تجارب المرحلة الأخيرة إلى أن معدل نجاح هذا اللقاح 70 في المئة.

عملية معقدة

وتستعرض د. ميس عيسى، الاخصائية في علم الأوبئة في الجامعة الملكية البريطانية، مراحل نقل اللقاح التي وصفتها بالـ«معقدة»، مضيفة أن اللقاح يصل في صناديق وداخل كل صندوق، 5 علب، تحتوي كل علبة على 975 جرعة من اللقاح. وتضيف، أن هذه الصناديق خزنت في درجة حرارة 70 تحت الصفر، وبعد ذلك ينقل اللقاح في علب تحوي الثلج الجاف، وفي هذا الوعاء يبقى اللقاح لمدة 10 أيام من دون أن يتضرر، لكن هناك طرقاً معيّنة لفتح الصندوق لتفادي إتلاف اللقاح.

بعد ذلك تترك الجرعة حتى تذوب وتتخلص من حالة التجمد، وحينها يمكن أن تبقى في البراد العادي في 4 درجات مئوية لمدة 5 أيام كحد أقصى.

وكشفت عيسى، أن حجم كل جرعة هي 30 ميكروغراماً، وستكون المدة بين الجرعتين نحو 3 أسابيع، وقدمت توصيات خاصة للممرضات اللاتي سيقمن بعملية الحقن، للانتباه «لأن الحقن سيكون عضليا، وهذا يتطلب مهارات معينة».

استنفار المستشفيات

وحول طريقة التعامل مع اللقاح، تقول د. نهال أبوسيف، استشارية الأمراض الباطنية والحادة، إنه سيصل للمستشفيات في أنابيب كبيرة، كل أنبوب يكفي 5 أشخاص، ويصل معه المحلول الملحي، ويتم خلط 1 مللتر، من اللقاح مع 2 مللتر من المحلول الملحي، قبل حقن الشخص.

وكشفت أن الوزارة راسلت جميع الأطباء وطلب منهم التطوع في عملية التلقيح، مشيرة إلى أنه «كان هناك إقبال كبير على المشاركة في هذه العملية الضخمة، التي ستمتد لأشهر».

سؤال المناعة

بدوره أشار د. أحمد حلمي، الاستشاري في المستشفى الجامعي ببرمنغهام، أن «سؤال المناعة هو الذي لم يتم الإجابة عنه بشكل واضح لكن حسب تقديري، فإن اللقاح قد يوفر مناعة لمدة 3 إلى 6 أشهر مما يعني أن اللقاح ضد كورونا سيصبح سنوياً مثله مثل الإنفلونزا».

دول متفرقة

وبدأت كل من روسيا والصين بالفعل في إعطاء لقاحات محلية الصنع لسكانها، رغم أنهما أقدمتا على ذلك قبل الانتهاء من تجارب السلامة والفعالية النهائية.

وينتظر أن يصدر الاتحاد الأوروبي قراراً بالترخيص للقاح «فايزر» بحلول أواخر ديسمبر، بينما تستعد أميركا كذلك للبدء بالتطعيم.

الصحة العالمية

وفي جنيف، صرح مسؤولون بمنظمة الصحة العالمية أن إتاحة معلومات جيدة للناس بشأن لقاحات ضد «كورونا» أفضل من تطعيمهم بشكل إجباري.

وذكر مايك ريان، المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بالمنظمة، أن «أهدافنا تتحقق بشكل أفضل بكثير عندما نقدم المعلومات للناس، ونعرض عليهم الفوائد ونتركهم يتخذون قرارهم بأنفسهم».

وأقر مسؤولو منظمة الصحة العالمية بأن فئات قليلة مثل العاملين في مجال الصحة، ربما يُطلب منهم في نهاية المطاف تطعيمهم باللقاح.

وذكرت كاثرين أوبراين التي ترأس إدارة اللقاحات بالمنظمة، أن تسهيل سبل الحصول على اللقاح أفضل من وضع القواعد.

بدورها، قالت مارغريت هاريس إن «اللقاحات أداة عظيمة، ستكون مفيدة جداً، لكن تأثير اللقاح في توفير نوع من الحاجز المناعي لايزال بعيد المنال». وأضافت «الأشياء التي يجب القيام بها لمنع الزيادة هي إجراءات الوقاية».