في 24 نوفمبر 2020، عبّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في رسالة وجّهها عبر الفيديو إلى المشاركين في مؤتمر جنيف الدولي، عن قلق موسكو من استمرار تصاعد العنف في أفغانستان، فشدّد تحديداً على إقدام مقاتلي "داعش" على حشد قواتهم في المحافظات الشمالية لإنشاء منصة تسمح لهم بالتوسع في أنحاء آسيا الوسطى، إذ صدر هذا التصريح غداة قرار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب بتخفيض عدد القوات العسكرية الأميركية في البلد إلى 2500 عنصر بحلول منتصف ديسمبر 2021، مما قد يُرسّخ مخاوف الجانب الروسي من تدهور الوضع الأمني، وفي الوقت نفسه، تُشكك عوامل أخرى بموقف موسكو الحقيقي ويمكن اعتبارها جزءاً من الرغبة الروسية في تحقيق أهداف سياستها الخارجية جنوباً.سبق أن أدلى المسؤولون الروس بتعليقات كثيرة في الماضي حول تنامي نفوذ الجماعات الإرهابية الدولية في شمال أفغانستان، إذ تظن موسكو أن هذا الوضع يهدف إلى توسيع عمليات تلك الجماعات في آسيا الوسطى، ففي يناير 2019 عبّر نائب وزير الخارجية الروسي إيغور زوبكوف أيضاً عن مخاوفه من تجمّع مقاتلي "داعش" في المروحيات استعداداً لشن اعتداء باتجاه حدود طاجيكستان، وصدر ذلك الموقف قبل أيام قليلة من زيارة لافروف إلى "دوشانبي" حيث عرض مساعدات إضافية على طاجيكستان.
رغم إضعاف مواقع تنظيم "داعش" في الشرق الأوسط وأفغانستان، يبدو أن التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الروس حول التهديد الوجودي الذي يطرحه تمدّد الصراع إلى آسيا الوسطى هي ردة فعل على السياسة الغربية وتأكيد على الرغبة في جعل الإرهاب الدولي في أفغانستان مشكلة محلية حفاظاً على نفوذ موسكو في المنطقة. في الوقت الراهن، يقتصر الوجود العسكري الروسي في آسيا الوسطى على القاعدة العسكرية الروسية 201 في "دوشانبي"، طاجيكستان، وقاعدة جوية في "كانت"، قيرغيزستان، ونطاق لاختبار الطوربيدات على بحيرة "إيسيك كول" في قيرغيزستان أيضاً، ويظن المراقبون أن هذا الانتشار يسمح لروسيا بالحفاظ على نفوذها السياسي في آسيا الوسطى وبتلقي معلومات حول مسار الصراع والقدرات التشغيلية للقوات المسلّحة محلياً.يُمهّد انسحاب قوات التحالف الغربي من أفغانستان لتوسيع المجال الجيوستراتيجي الذي يسمح بتحقيق المصالح الروسية في المنطقة عموماً، حيث يذكر بعض المراقبين أن قرار واشنطن بسحب قواتها العسكرية قد يُعتبر فشلاً للسياسة الأميركية في أفغانستان وقد يجعل موسكو أهم المفاوضين في جهود حل الصراع الأفغاني الداخلي، لكن تسود توقعات أخرى مفادها أن علاقة الكرملين مع حركة "طالبان" لا تقتصر على المفاوضات الدبلوماسية الرامية إلى مصالحة الأطراف المتناحرة، بل إنها تتخذ منحىً أعمق وتقضي بتنسيق الجهود لإطلاق معركة مشتركة ضد "داعش"، فوفق مصادر رفيعة في الجيش الأميركي والحكومة الأفغانية، يقال إن روسيا أرسلت الأسلحة والوقود إلى حركة "طالبان" عبر دول آسيا الوسطى.لا تملك روسيا موارد كافية لتنفيذ خططها الطموحة بالكامل ولتوسيع نفوذها الجيوسياسي، لكنها تحاول في الوقت نفسه أن تحافظ على وجودها في آسيا الوسطى، وتسعى إلى ترسيخه بجميع الوسائل المتاحة، تُعتبر أفغانستان عاملاً أساسياً طبعاً في هذه الجهود. تمنع الظروف القائمة دول المنطقة من بناء وتنفيذ سياسة خارجية أكثر استقلالية، وتُضعِف اهتمام المستثمرين الغربيين، مما يعني تباطؤ التنمية الاقتصادية الإقليمية، وتأخير مساعي تحسين رفاهية السكان، لهذا السبب، من الضروري أن يحافظ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على علاقات وثيقة مع دول المنطقة ويقدّما المساعدة اللازمة لدمجها مع المجتمع الدولي خارج نطاق أوراسيا، وفي المقابل يجب أن تتابع دول آسيا الوسطى الإصلاحات المطلوبة منها لزيادة مستوى الشفافية في أنظمتها الاقتصادية، وتحرير أسواق صرف العملات الأجنبية، وإنشاء ظروف مؤاتية للمستثمرين وتقديم الضمانات اللازمة لحماية استثماراتهم.* نوديرجون كيرغيزباييف *
مقالات
ما هدف روسيا في أفغانستان؟
09-12-2020