احتار الكثير من الخبراء إزاء عدم انهيار أسواق الأسهم العالمية في مواجهة جائحة كوفيد19، خصوصا في الولايات المتحدة، التي سجلت أخيرا مستويات قياسية في حالات الإصابة الجديد، ولكن ربما ليس هذا لغزا محيرا، إذ يضع مقياس نسميه العائد الزائد على معدل السعر إلى الربحية المعدل دوريا التوقعات الطويلة الأجل لأسواق الأسهم العالمية في منظور أفضل.

ولا جدال في أن أسواق الأصول يحكمها إلى حد كبير علم النفس والروايات، فكما كتب دانييل كانيمان الحائز جائزة نوبل، "الألفة تولد الإعجاب"، وظهرت العديد من الروايات المألوفة في أسواق الأسهم العالمية هذا العام، بعد صدمة كوفيد19 في المراحل الأولى من ظهوره في الربع الأول من عام 2020، فعلى سبيل المثال، هناك قصة التعافي على شكل حرف V ورواية FOMO (فومو) (الخوف من الضياع)؛ كلاهما قد يساعد في دفع الأسواق إلى مستويات قياسية جديدة، وهناك أيضا قصة العمل من المنزل، والتي أفادت على وجه التحديد مخزونات التكنولوجيا والاتصالات.

Ad

ولكن هل هذه الروايات هي السبب الوحيد الذي يجعلنا جميعاً لا نفكر في مجرد سحب أموالنا من الأسهم ووضعها في بدائل أكثر أماناً مثل السندات، أو حتى أسفل الفراش في المنزل؟ يبدو أن معدل السعر إلى الأرباح المعدل دورياً، والذي يصور نسبة سعر السهم الحقيقي (المعدل حسب التضخم) إلى متوسط العشر سنوات للعائد الحقيقي للسهم الواحد، يتنبأ جيداً بالعوائد الحقيقية الطويلة الأجل في سوق الأسهم في خمس مناطق عالمية مؤثرة، إذ عندما يكون معدل السعر إلى الأرباح المعدل دورياً عاليا، غالبا ما تنخفض العوائد الطويلة الأجل على مدى السنوات العشر القادمة، والعكس صحيح، فمنذ صدمة كوفيد19، تعافت معدلات السعر إلى الأرباح المعدلة دورياً في الغالب لتعود إلى مستويات ما قبل الوباء.

وعلى سبيل المثال، بلغ معدل السعر إلى الربحية المعدل دورياً في الولايات المتحدة في نوفمبر 2020، 33، متجاوزا مستواه قبل بدء جائحة كوفيد19؛ وفي الواقع، عاد الآن إلى المستوى نفسه الذي كان عليه في يناير 2018 وهو 33، ولا توجد سوى فترتين أخريين كان فيهما معدل السعر إلى الأرباح المعدل دورياً في الولايات المتحدة أعلى من 30، وهي أواخر العشرينيات من القرن العشرين، وأوائل القرن الحادي والعشرين.

كما أن معدل السعر إلى الأرباح المعدل دورياً في الصين أعلى مما كان عليه قبل الوباء، وتميل أسواق الأوراق المالية في كلتا المنطقتين نحو قطاعات التكنولوجيا، وخدمات الاتصالات، والسلع الاستهلاكية الكمالية، وجميعها استفادت من الروايات الرئيسة حول وباء كوفيد19، والتي قد تفسر جزئياً ارتفاع معدلات السعر إلى الأرباح المعدلة دورياً بالنسبة إلى المناطق الأخرى.

وبالنسبة لأوروبا واليابان، عادت معدلات السعر إلى الأرباح المعدلة دورياً بصورة كبيرة إلى مستوياتها قبل كوفيد19، في حين أن المملكة المتحدة فقط من لا يزال أقل بكثير من مستوى ما قبل الوباء ومن المتوسط على المدى الطويل، والجدير بالذكر أن الأسواق المالية في هاتين المنطقتين أقل ميولا إلى قطاعات التكنولوجيا، وخدمات الاتصالات، والسلع الاستهلاكية الكمالية.

ولاحظ مراقبو السوق الدور المحتمل لأسعار الفائدة المنخفضة في دفع معدلات السعر إلى الأرباح المعدلة دورياً، وفي النظرية المالية التقليدية، تعتبر أسعار الفائدة مكوناً رئيساً لنماذج التقييم، فعندما تنخفض أسعار الفائدة ينخفض معدل الخصم المستخدم في هذه النماذج، ويجب أن يرتفع سعر أصل الأسهم، على افتراض أن جميع مدخلات النموذج الأخرى تظل ثابتة، لذلك، يمكن استخدام تخفيضات أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية لتبرير ارتفاع أسعار الأسهم ومعدلات السعر إلى الأرباح المعدلة دورياً.

ومن ثم، فإن مستوى أسعار الفائدة عنصر تتزايد أهميته، ويجب مراعاته عند تقييم الأسهم، ولتصوير هذه التأثيرات ومقارنة الاستثمارات في الأسهم مقابل السندات، قمنا بتطوير العائد الزائد على معدل السعر إلى الربحية المعدل دورياً، الذي يأخذ في الاعتبار كلا من تقييم الأسهم ومستويات أسعار الفائدة، ولحساب هذا العائد، نقوم ببساطة بعكس معدل السعر إلى الأرباح المعدل دورياً للحصول على عائد، ثم نطرح سعر الفائدة الحقيقي لعشر سنوات.

ويشبه هذا المقياس إلى حد ما علاوة سوق الأسهم، وهو طريقة مفيدة للنظر في التفاعل بين التقييمات الطويلة الأجل وأسعار الفائدة، ويشير المقياس الأعلى إلى أن الأسهم أكثر جاذبية، إذ يبلغ معدل العائد الزائد على معدل السعر إلى الربحية المعدل دورياً في الولايات المتحدة، على سبيل المثال 4 في المئة، بعد استخلاصه من عائد معدل السعر إلى الأرباح المعدل دورياً البالغ 3 في المئة، ثم طرح معدل فائدة حقيقياً لعشر سنوات بنسبة -1.0 في المئة (معدل باستخدام متوسط معدل التضخم في السنوات العشر السابقة البالغ 2 في المئة) .

لقد رجعنا 40 سنة إلى الوراء في تاريخ مناطقنا الخمس في العالم- حيث تسمح البيانات- ووجدنا بعض النتائج المذهلة، إذ اقترب العائد الزائد على معدل السعر إلى الربحية المعدل دورياً من أعلى مستوياته في جميع المناطق، وهو في أعلى مستوياته على الإطلاق في كل من المملكة المتحدة واليابان، وتبلغ نسبة هذا العائد بالنسبة للمملكة المتحدة نحو 10 في المئة، ونحو 6 في المئة بالنسبة لأوروبا واليابان، ولا تصل بياناتنا الخاصة بالصين منذ 40 سنة إلى هذا المستوى، على الرغم من ارتفاع معدل العائد الزائد على معدل السعر إلى الربحية المعدل دورياً في الصين إلى حد ما، عند نحو 5 في المئة، ويشير هذا إلى أن الأسهم في جميع أنحاء العالم، في الوقت الحالي، جذابة للغاية مقارنة بالسندات.

إن المرة الأخرى الوحيدة التي وصلت فيها معدلات العائد الزائد على معدل السعر إلى الربحية المعدل دورياً إلى هذا المستوى من الارتفاع باستخدام بياناتنا العالمية كانت في أوائل الثمانينيات، وتميزت تلك الفترة بخفض أسعار الأسهم ذات التقييمات الرخيصة، ومعدلات الفائدة المرتفعة، والتضخم المرتفع، وكانت معدلات السعر إلى الأرباح المعدلة دورياً للمناطق الخمس ما بين عشرة إلى 19 في ذلك الوقت، مقارنة بمستوياتها التي تتراوح الآن بين عشرين وتسعة وثلاثين، وهذه الظروف هي عكس ما نراه اليوم تقريباً، فالأسهم باهظة الثمن، وأسعار الفائدة الحقيقية منخفضة بصورة استثنائية.

ولا يمكننا أن نعلم كيف ستنتهي جائحة كوفيد19، وقد تنتهي قريباً بظهور لقاحات فعالة، ولكن الخلاصة الرئيسة المستخلصة من مؤشر العائد الزائد على معدل السعر إلى الربحية المعدل دورياً هي أنه يؤكد الجاذبية النسبية للأسهم، لا سيما بالنظر إلى فترة طويلة محتملة من انخفاض أسعار الفائدة، وقد تبرر رواية (فومو)، ويذهب إلى حد ما نحو شرح تفضيل المستثمر القوي للأسهم منذ مارس.

وفي نهاية المطاف، قد ترتفع عائدات السندات، وقد يتعين أيضاً إعادة ضبط تقييمات الأسهم جنباً إلى جنب مع العائدات، ولكن في هذه المرحلة، على الرغم من المخاطر والمعدلات المرتفعة المعدلة دورياً للسعر إلى الربحية، قد لا تكون تقييمات سوق الأسهم سخيفة كما يعتقد البعض.

* روبرت جيه شيلر، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2013، أستاذ الاقتصاد بجامعة ييل، ومؤلف كتاب الاقتصاد السردي: كيف تنتشر القصص وتؤدي إلى الأحداث الاقتصادية الكبرى.

* لورنس بلاك هو مؤسس The Index Standard.

* فاروق جيفراج، باحث زائر في كلية إمبريال كوليدج للأعمال، وعضو بارز في مجموعة استراتيجيات الاستثمار الكمية في باركليز بلندن.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»