هل بدأت «أوبك» أخيراً بالتفكك؟
مع بداية شهر آخر، تلوح في الأفق "أزمة" أخرى داخل منظمة "أوبك"، إنها المشكلة المعتادة: عدم تمكن الدول الأعضاء من الاتفاق على كيفية الموازنة بين الإنتاج والسعر، فالدول المصدرة للنفط بقيادة السعودية، وبدعم من الدول غير الأعضاء في منظمة "أوبك" مثل روسيا وكازاخستان، لا تستطيع التحكم في الأسعار بحد ذاتها، لذا عليها أن تتصوّر كيفية الاتفاق على مستويات الإنتاج التي قد تزيد، أو لا تزيد، من الإيرادات.وهناك اتفاق من حيث المبدأ هذه المرة، على الرغم من أن مصطلح "المراوغة" قد يكون الكلمة الأنسب، وهذا ما يحصل دائماً ولو كان ذلك لأجل تأخير الاتفاق، لكن لا تملّوا؛ فهناك ضغوط جديرة بالملاحظة تكبّل هيكلية "أوبك" وسوق النفط، ومن المرجح أن تصل مبيعات النفط لدولها الأعضاء إلى نحو 315 مليار دولار هذا العام، مقارنة بـ565 مليار دولار في العام الماضي، و692 مليار دولار في عام 2018، أما خلال "أوج عهد" المنظمة فكان الرقم ضخماً بحيث بلغ 1.127 مليار دولار، وقد يكون عام 2020 سيئاً من وجهة نظر الدول المنتجة، ويعزى السبب جزئياً إلى أثر جائحة فيروس "كوفيد19" على الاقتصاد العالمي.لقد ولّت الأيام التي كانت خلالها كلمة "أوبك" مرادفة للثروة الهائلة، فسعر النفط الحالي الذي لا يتجاوز 49 دولاراً للبرميل الواحد غير كافٍ لمعظم الدول الأعضاء، ويرجع ذلك أساساً إلى تمسك هذه الدول بمستويات الإنفاق الضرورية لتحمّل تكاليف الوظائف الحكومية والإعانات السخية، والتي يعود تاريخها إلى حقبة كان يسجل خلالها سعر النفط 100 دولار للبرميل، وتعتمد حكومة العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة "أوبك"، على 92 في المئة من ميزانيتها على عائدات النفط، وفيما يتعلق بالانتخابات للجمعية الوطنية الكويتية، فقد اتسمت بالسخط العام من التخفيضات وأخبار عن الفساد المستشري في أوساط المسؤولين.
ومن الواضح أن سوق الطاقة يتغير، فقد أعلن مقال في "وول ستريت جورنال" في 1 ديسمبر أن "شركة "إكسون موبيل" تتراجع عن خطة لزيادة الإنفاق لتعزيز إنتاجها من النفط والغاز... في حين تعيد الشركة المتعثرة تقييم العقد القادم"، كما ورد في المقال أن كلاً من "رويال داتش شيل" و"بي پي" و"شيفرون" تخفض قيمة أصولها، حيث جاء فيه: "أشارت الشركات الثلاث إلى التوقعات الداخلية لانخفاض أسعار السلع الأساسية كسبب لتراجع أسعار النفط". ومن الناحية السياسية، حظيت "أوبك" بدعم هذا العام من خلال اقترانها بدول مصدرة من خارجها في "أوبك بلس"، إلّا أن هذا التحالف قائم على المصلحة، وليس على علاقة طويلة الأمد، يُذكر أن حرب الأسعار العبثية بين روسيا والسعودية التي اندلعت في مارس وأبريل لم تنته إلا بعد أن اتفق الطرفان على خط أساس لتخفيضات الإنتاج التي كانت في مصلحتهما بدلاً من أن تكون في مصلحة الدول الأعضاء. ومن المثير للاهتمام، أنه ربما يتمّ تقويض قيادة السعودية لمنظمة "أوبك"، إن لم يتم تحدّيها فعلياً، من قبل إحدى أقرب حليفاتها وهي الإمارات العربية المتحدة، فمع كل النفط الموجود في دولة الإمارات تقريباً، تسعى أبو ظبي إلى زيادة حصتها النظرية في ظل تشغيلها حقولاً جديدة لتمويل طموحاتها الإقليمية المتزايدة.ومن المرجح أن يتمثل أحد العوامل الإضافية لعام 2021 في تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن منصبه، فحتى لو استغرق الأمر للإدارة الأميركية الجديدة أسابيع أو أشهراً لبدء عملها بسلاسة، فإن تصريحاتها المشجعة حتى الآن للحدّ من تغيّر المناخ تُمهد الطريق لاتخاذ قرارات عملية في الولايات المتحدة وخارجها، وفي المقابل قد يؤدي ذلك إلى زيادة إنتاج النفط والغاز الطبيعي في العام المقبل، بدافع ارتفاع الأسعار.وقد تكون زيادات الأسعار مزعجة للإدارة الأميركية الجديدة وللمستهلكين، ولكن من المحتمل أيضاً أن تشكل ضربةً أخرى لكل من "أوبك" و"أوبك بلس"، مما يؤدي إلى إثارة الجدل حول زيادة الحصص والغش في مستويات الإنتاج، وعلى الرغم من احتمال تكرار الأزمات الداخلية لمنظمة "أوبك"، فإنّه لا يمكنها أن تكون دورية بعد الآن، وبدلاً من العودة إلى النقطة نفسها، قد يكون الاتجاه داخل الكارتل سائراً نحو التفكك. * سايمون هندرسون*