أوضح الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أن الدبلوماسية ستكون في قلب السياسة الخارجية لإدارته، وتعهد بإعادة الانضمام الى اتفاقية باريس للمناخ في اليوم الأول من تسلم إدارته للسلطة وتجديد الالتزام بحلفاء الولايات المتحدة الأميركية في الناتو وإعادة واشنطن للاتفاق النووي مع إيران لسنة 2015 وعقد "قمة للديمقراطية" وذلك من أجل "إحياء الروح والهدف المشترك لشعوب العالم الحر" وكما كتب في مجلة فورين أفيرز في مارس "يجب أن تكون الدبلوماسية الأداة الأولى للقوة الأميركية".

إن إعادة بناء معاهدات وتحالفات أميركا هي تطور مرحب به بعد أربع سنوات من نهج الرئيس دونالد ترامب تجاه العالم والقائم على أساس عقد الصفقات، وإن سياسة ترامب الخارجية القائمة على أساس "أميركا أولا" قد أدت الى تآكل علاقات أميركا مع حلفائها وعاقت قدرتها على التعامل مع تحديات عالمية تزداد تعقيدا مثل الجوائح والتغير المناخي والانتشار النووي والتراجع الديمقراطي والممارسات التجارية غير العادلة.

Ad

لكن صياغة سياسة خارجية قائمة على أساس الدبلوماسية أولا من اجل التعامل مع مثل تلك القضايا تعتمد على ما هو أكثر من خيارات الإدارة المرتبطة بالسياسات في سنتها الأولى على الرغم من أهميتها، فهي تتطلب تجديداً جوهرياً للمؤسسات الأميركية ذات العلاقة وذلك من أجل جعل الدبلوماسية والتنمية الأساس الدائم للسياسة الخارجية وسياسة الأمن القومي.

يجب أن تبدأ تلك الجهود بإعادة التفكير في ماهية الأمن ومن المستفيد منه، وإن الممارسين والمختصين في العلوم السياسية كانوا عادة ما يعرفون الأمن بمعناه الضيق المتمثل في حماية سلامة أراضي دولة ما واستقلالها السياسي، وهو أمر عادة ما يؤدي للتركيز على القدرات العسكرية.

لكن الأمن القومي في واقع الأمر يجب أن يختص بحماية الناس من التهديدات، وذلك من الأمراض والعنف الى الحرائق والفيضانات، والتي تؤثر على حياتهم اليومية، وحقيقة أن تلك التهديدات تعطل المجتمعات الأكثر ضعفا بشكل أكبر هي نتيجة لسياسات لا محض مصادفة، وعليه يجب أن يبدأ الأمن بتطوير مجموعة من الأدوات الوطنية والعالمية لتخفيض المخاطر التي تواجهها مثل تلك المجموعات.

طبقا لمثل تلك الحسابات فإن الدبلوماسية تبدأ في الوطن، فلو كانت الجوائح تهدد الأمن القومي، على سبيل المثال، فإن على الولايات المتحدة الأميركية في مثل هذه الحالة الاستثمار في نظام صحي أكثر فعالية، بالإضافة الى تعزيز تواصلها مع المؤسسات العالمية مثل منظمة الصحة العالمية من أجل الاستعداد للفيروس التالي.

لو هدد العنف السياسي سلامة الأميركيين، وأظهرت أميركا الجديدة أن هناك أعدادا أكبر من الأميركيين ماتوا بسبب الإرهاب اليميني مقارنة بالذين ماتوا بسبب الإرهاب الجهادي، وذلك منذ الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة الأميركية في 11 سبتمبر 2001، فإن على واشنطن في تلك الحالة الاستثمار بشكل أكبر في أدوات التقصي والتتبع في أميركا وخارجها كما يجب علينا أن نستثمر في إعادة بناء الثقة في مؤسساتنا الديمقراطية بما في ذلك نظام التصويت لدينا مع العمل مع الشركاء حول العالم من أجل التصدي للتراجع الديمقراطي ومحاربة انتشار المعلومات المضللة.

وبالمثل، لو هناك تفاوت بين الناس في الحصول على الإنترنت مما يؤدي إلى حرمان بعض الأميركيين من الحصول على التعليم والرعاية الصحية بالإضافة الى الخدمات الحكومية والخاصة المتزايدة فإن على الحكومة الأميركية في مثل تلك الحالة التركيز على كيفية جعل الاتصال الرقمي بمثل انتشار الكهرباء، وذلك في طول البلاد وعرضها، وفي الوقت نفسه يجب على تلك الحكومة العمل مع الحكومات الأخرى والمنظمات الدولية لخلق عالم رقمي أكثر مساواة بكثير ويمكن الوصول اليه بشكل أسهل.

ويجب على إدارة بايدن كذلك صياغة خطة لتجديد وزارة الخارجية الأميركية بدءا بالسلك الدبلوماسي الأميركي خارج البلاد، وكما جادلت إحدانا مؤخرا في مجلة الديمقراطية فإن مفهوم السلك الدبلوماسي من القرن العشرين، والذي يعتمد على مسؤولين مهنيين من السلك الدبلوماسي نفسه "يحرم الولايات المتحدة الأميركية من الموهبة والعلاقات والرشاقة وسرعة التحرك التي نحتاجها من أجل تعزيز المصالح الوطنية والتعامل مع التحديات العالمية في القرن الحادي والعشرين بفعالية"، وإن السلك الدبلوماسي الذي يرحب بمهارات مهنيين من المنظمات غير الحكومية والجامعات والمجموعات ذات الطابع الديني وغيرها سيكون أكثر جاهزية للتصدي لمشاكل معقدة عابرة للحدود، والتي تتطلب موظفين من خلفيات متنوعة مع مجموعة واسعة من الخبرات والتجارب.

أخيرا، إن سياسة خارجية أميركية قائمة على أساس الدبلوماسية أولاً يجب أن تقر بوجود دور أكبر للتنمية التي تتطلب دبلوماسية خاصة بها، وسيكون من الأفضل أن تعمل إدارة بايدن مع الكونغرس من أجل مراجعة قانون المساعدات الأجنبية لسنة 1961 وتأسيس دائرة جديدة للتنمية الدولية على مستوى وزاري، وإن لم يكن من الممكن تحقيق ذلك فإن ترقية مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية الى المستوى الوزاري يمكن أن يبعث برسالة أن الولايات المتحدة الأميركية تتعامل مع التنمية الاقتصادية كأداة حيوية ضمن جهودها لزيادة رفاهية البشر على المستوى العالمي.

إن بإمكان الدول الأخرى كذلك إعادة التفكير باستراتيجيتها الدبلوماسية وتعريفها للدبلوماسية والأمن، وهذا سيتطلب من برلماناتها أن يكون لها دور في هذا الخصوص، أما في الولايات المتحدة الأميركية فإن الكونغرس مسؤول عن التمويل الذي تحصل عليه كل وكالة فدرالية وبرنامج فدرالي، علما أنه في السنة المالية لسنة 2019 شكل الدفاع نحو نصف إجمالي الإنفاق التقديري للحكومة الفدرالية، في حين شكلت ميزانية الشؤون الخارجية بأكملها أقل من 4%.

وإن بإمكان الكونغرس المساعدة في بناء القدرات الدبلوماسية لأميركا من خلال تخصيص المزيد من الموارد لإصلاح وزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية وزيادة التمويل المقدم لها، وبالإضافة الى ذلك فإن بإمكان الكونغرس من خلال دوره الرقابي منع السلطة التنفيذية من الاعتماد بشكل مفرط على الوسائل العسكرية، وبإمكانه تبني أقصى درجات الحزم وذلك من خلال إلغاء التفويض باستخدام القوة العسكرية ومنع مبيعات الأسلحة الأميركية وتقييد التمويل المتعلق بالتعاون الأمني أو فرض شروط عليه.

ويجب على القادة السياسيين حول العالم والذين يواجهون جائحة عالمية والتغير المناخي المراجعة الدقيقة لمسألة ما الذي يجعل مواطنيهم يشعرون بالأمان من عدمه، حيث سيجدون أن الاستثمار في المرونة والصلابة على المستوى المحلي والدبلوماسية والتنمية على المستوى العالمي هو أكثر منطقية مقارنة بتعزيز الميزانيات العسكرية، وفي حين يستعد بايدن لتولي مهام منصبه، نحتاج إلى أن نعزز بشكل جماعي دبلوماسية عالمية جديدة لتمكين المزيد من التعاون في وجه التهديدات المشتركة.

* آن ماري سلوتر مديرة سابقة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية (2009-2011) وحاليا مديرة تنفيذية لمركز الأبحاث «نيو أميركا» وهي أستاذة فخرية للعلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة برينستون ومؤلفة كتاب «عمل لم يتم إكماله: النساء الرجال العمل العائلة»

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

بروجيكت سنديكيت