بينما يستعد جو بايدن لتسلم منصب الرئاسة في يناير 2021، يسود جدل واسع حول احتمال تحسّن العلاقات بين الهند والولايات المتحدة أو تدهورها في العهد الرئاسي الجديد مقارنةً بعهد الرئيس دونالد ترامب، وتحمل تحليلات العوامل الاستراتيجية والاقتصادية أهمية كبرى في هذا المجال، لكن لا بد من مراعاة تأثير العوامل المؤسسية أيضاً على العلاقات الهندية الأميركية في عهد بايدن.

تطورت العلاقات بين واشنطن ونيودلهي في العقدَين الماضيَين ولم يتغير الوضع في عهد ترامب، لكنّ الاختلاف الأساسي في وجهات النظر بين ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يكمن في تعاطيهما مع الآليات المؤسسية. لم تؤثر تلك الاختلافات على العلاقات الهندية الأميركية حين كان ترامب في سدّة الرئاسة، لكن ثمة حاجة الآن إلى تقييم مدى تطابق سياسات بايدن تجاه المؤسسات مع التوجّه الهندي.

Ad

على عكس ترامب، يُعتبر مودي من أبرز داعمي التعددية والآليات المؤسسية في السياسة العالمية، ولطالما كان استبدال النظام الثنائي بنظام متعدد الأطراف من أهم اقتراحاته الدبلوماسية، فأصبح التهديد الاستراتيجي الذي تطرحه الصين واضحاً، ومع ذلك يصرّ مودي منذ فترة طويلة على تجنب استهداف الصين مباشرةً، فالهند جزء من منظمات متعددة الأطراف مثل مجموعة "بريكس"، ومجموعة العشرين، و"منظمة شنغهاي للتعاون"، و"مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي متعدد القطاعات"، كما أنها من أشرس داعمي اتفاق باريس للمناخ.

من المتوقع أن يتبنى بايدن مقاربة تصالحية تجاه المؤسسات العالمية، مما يتعارض مع موقف ترامب الصدامي، وقد ينجح الرئيس الجديد بهذه الطريقة في إنهاء العزلة الأميركية، إذ سبق أن ألمح أصلاً إلى استعداده لتجديد التزامات واشنطن مع الأمم المتحدة. كذلك، طرح بايدن رؤية محددة في مجال السياسة الخارجية، فتكلم عن التزامه باتخاذ التدابير اللازمة لتصحيح سياسات ترامب، بما في ذلك تقوية حلف الناتو والانضمام إلى اتفاق باريس للمناخ مجدداً.

قد يكون تجديد الالتزامات مع المؤسسات الدولية خطوة إيجابية، لكن يبدو أن أولويات بايدن في مجال السياسة الخارجية ستبطل عدداً من التدابير التي أقرّها ترامب، ويجب أن يفكر بايدن بالتعاون عن قرب مع الهند على مستوى الإصلاح المؤسسي، فقد طالب مودي بإصلاح المؤسسات الدولية كي تتماشى مع الوضع الجيوسياسي المعاصر، فأعلن خلال خطابه الافتراضي أمام الجمعية العامة في شهر سبتمبر الماضي أن الأمم المتحدة ستواجه أزمة ثقة ما لم تطبّق إصلاحات شاملة، كذلك، دعا مودي إلى إصلاح مفهوم التعددية كي يعكس الوقائع المعاصرة ويسمح لجميع المعنيين بالتعبير عن آرائهم.

تُشدد رؤية بايدن في السياسة الخارجية على أهمية تقوية الديمقراطية محلياً وخارجياً، ويجب أن تتماشى هذه الرؤية مع اقتراح الهند بإنشاء نظام مبني على القواعد، مما يعني ضرورة القيام بإصلاحات متعددة الأطراف تضمن تمثيلاً أكثر إنصافاً للهند وقوى ناشئة أخرى في المؤسسات العالمية.

تطورت العلاقات الهندية الأميركية في عهد ترامب مع أن الرئيس المنتهية ولايته تبنّى مقاربة متناقضة تجاه الهند في مسائل مثل التجارة، كذلك اختلف البلدان في رأيهما الفردي حول النظام العالمي، وحاول ترامب تصوير العالم المعاصر وكأنه كيان ثنائي الأقطاب (بين الولايات المتحدة والصين)، وفي المقابل، تعامل مودي مع الوضع بطريقة تصالحية وأصرّ على دعم مبدأ التعددية.

مع ذلك، كان عهد ترامب إيجابياً بالنسبة إلى نيودلهي لأن الرئيس الأميركي تصادم مع الصين ودعم الهند، وخلال عهده الرئاسي أيضاً، تجاوبت الهند مع الحلف الرباعي وبدأت تتحدى الصين مباشرةً، كذلك شهدت الهند في عهد ترامب تحولاً إضافياً في سياستها الخارجية، فأصبحت أقرب إلى الولايات المتحدة من الناحية الاستراتيجية، وفي عهد بايدن المرتقب يجب أن تسعى الولايات المتحدة إلى التواصل مع الهند لتعزيز الآليات المؤسسية وإصلاحها، مما يسمح بمتابعة تطوير العلاقات الثنائية.

* نيرانجان مرجان*

«دبلومات»