أنتوني سكاراموتشي (56 عاماً) مليونير من نيويورك، صنع نفسه بنفسه، وهو ضيف دائم على التلفزيون الأميركي. هو ابن عامل بناء، وأب لخمسة أولاد، ومتزوج مرتَين. حين أصبح محامياً، عمل في البداية في بنوك استثمارية مثل "ليمان براذرز"، و"غولدمان ساكس" قبل أن يؤسس صندوق التحوط "سكاي بريدج" في عام 2005. أصبح معروفاً حول العالم بعدما عيّنه دونالد ترامب مديراً للاتصالات في البيت الأبيض قبل أن يقيله من منصبه بعد 11 يوماً فقط. أدلى سكاراموتشي بتصريحات مسيئة حول سياسي جمهوري آخر أمام أحد الصحافيين، ثم أبعد نفسه بالكامل عن سياسات ترامب ودعم جو بايدن في الحملة الانتخابية لعام 2020. في مقابلة مع صحيفة "دير شبيغل"، يقارن سكاراموتشي الرئيس الأميركي المنتهية ولايته بأكبر مجرم في القرن العشرين، ويتكلم بصراحة عن طرده من البيت الأبيض، ويناقش رؤيته حول مستقبل الحزب الجمهوري، وما يتوقعه قطاع الأعمال من جو بايدن.
جو بايدن هو الفائز في الانتخابات الرئاسية، لكن يرفض دونالد ترامب الاعتراف بالهزيمة. ما الذي يحصل؟
هو يتصرف كأي زعيم ديماغوجي. المتنمرون من أمثال ترامب يصعب التخلص منهم، حتى أنهم قد يُجبِرون الآخرين على القيام بأمور شائبة. أنتم في ألمانيا مررتم بتجربة مشابهة. هل تعرفون تجربة ميلغرام؟إنها التجربة التي حللت إلى أي حد يتبع الناس زعيماً مستبداً، حتى لو كان ضميرهم يرفضه.هذه التجربة تَصِف ما نختبره اليوم بدقة. يتبنى ترامب تصرفات غير طبيعية. هو يأمر مرؤوسيه باتخاذ خطوات تتعارض مع المعايير التي نعرفها منذ 244 سنة. كان المؤتمر الصحافي الذي تكلم فيه ترامب عن تزوير الانتخابات من أكثر الأمور المستهجنة التي شاهدتُها في السياسة الأميركية على الإطلاق. ما من أدلة على تزوير الانتخابات. كان المرشح لرئاسة إيران (حسين موسوي) آخر سياسي يرفض تقبّل نتائج الانتخابات في العام 2009. انظروا إلى أي وضع وصلنا!هل سيغادر ترامب البيت الأبيض طوعاً؟
هو ينكر الوضع الذي يواجهه حتى الآن. لكن حين تلتئم جروحه، سيدرك أنه يواجه مشاكل قانونية. لديه مشكلة مع "دويتشه بنك" الذي يطالب باسترجاع القروض، وتلاحقه تُهَم اغتصاب، وثمة تحقيقات جنائية ضد "منظمة ترامب" وضده هو شخصياً. لقد بالغ في تقدير أصوله لأنه أراد أن يحصل على القروض وأعلن أن مدخوله أدنى مما هو عليه لتخفيض ضرائبه. أظن أنه سيغادر طوعاً، لأنه سيبقى بحاجة إلى بايدن.قد يعفو عنه بايدن بعد وصوله إلى الرئاسة.
أنا أظن أن ترامب بريء فعلاً، لكنه يستحق أن يمضي بضعة أيام في المحاكم. في النهاية، يجب أن يفكر في مصلحته وفي عائلته. لكن قد يقرر متابعة تدمير كل شيء من حوله طبعاً. يُذكّرنا هذا الوضع بتاريخ ألمانيا وأدولف هتلر الذي أَمَر جنرالاته في أبريل 1945 بتدمير إمدادات الطاقة في محيط برلين فقال: "إذا لم نضمن صمود الرايخ لألف سنة خلال عهدي، أريد تدمير كل شيء". إنها نسخة كلاسيكية من العدمية.هل يستطيع أحد في الحزب الجمهوري أن يردع ترامب؟
ترامب أخذ الحزب رهينة لديه. صهره غاريد كوشنر اعتبر ذلك السلوك صراحةً استحواذاً عدائياً على هذا المعسكر. إنه تقييم صحيح بلا أدنى شك نظراً إلى غياب أي برنامج انتخابي فعلي. لا أهمية إلا لما يريده ترامب. إنه تحريف واضح للفكر الجمهوري. وتبرز أيضاً شخصيات جمهورية شائنة مثل رئيسة الحزب رونا رومني مكدانيل (السفيرة الأميركية السابقة في ألمانيا) أو ريتشارد غرينيل أو مات شلاب (عضو في اللوبي المحافِظ). هم يقومون بأمور قذرة بما يشبه تصرفات المجانين بالقمصان البنّية في الحقبة النازية.إنها كلمات قاسية. الوضع كله مؤسف. يكفي أن ننظر إلى ألمانيا بعد حقبة الحرب وإلى القانون الألماني الأساسي. تُعتبر حقوق الإنسان أهم مبدأ هناك، ويضمن النظام القضائي الألماني احترامها. من واجب الأميركيين الذين يحبون بلدهم أن يحرصوا الآن على التزامنا بالمبادئ التي يُهددها ترامب.صوّت أكثر من 70 مليون أميركي لمصلحة ترامب، وهو عدد أكبر بكثير من الأصوات التي حصدها في عام 2016.إنه موقف احتجاجي ضد النخبة الحاكمة ووسائل الإعلام، وهو يعبّر عن طبيعة الناخبين أكثر من ترامب. لم يعد هؤلاء الأشخاص يؤمنون بأن النظام القائم يخدم مصالحهم. لقد صوّتوا لمصلحة ترامب مجدداً مع أنه قوة تدميرية حقيقية. أعرف ما أقوله. أنا نتاج عائلة كلاسيكية من الطبقة العاملة.هل يمكنك أن تفسّر لنا هذه النقطة؟
نحن لم نكن فقراء. كان والدي يكسب مدخولاً جيداً لكني اضطررتُ إلى تقاسم غرفتي ودراجتي الهوائية مع شقيقي. اليوم، ما كان والدي على الأرجح ليحافظ على مستوى المعيشة نفسه لو بقي عمله على حاله. لقد تغيرت الظروف كثيراً. تراجعت الأجور بسبب العولمة والتقدم التكنولوجي. أتفهّم ناخبي ترامب. هم ليسوا عنصريين أو مرضى نفسيين بل يفكرون بالشكل الآتي: "أنا لم أعد أؤيد هذا النظام. أريد أن أوجّه رسالة قوية وأصوّت لمصلحة ترامب".لكن هكذا كان الوضع في عام 2016. هل أصبح الحلم الأميركي الذي يجعل التقدم الاجتماعي متاحاً للجميع جزءاً من الماضي الغابر؟
نعم، هذا ممكن لأن السياسيين يهاجمون بعضهم البعض شفهياً طوال الوقت على التلفزيون بدلا من أن يطوروا الأفكار حول شكل المجتمع المثالي خلال خمس أو عشر سنوات. هكذا كان الوضع في السابق. في عام 1890، كتب الصحافي جاكوب ريس كتاب How the Other Half Lives (كيف يعيش النصف الآخر) حول ظروف الحياة في نيويورك خلال تلك الحقبة، فوصف طريقة استغلال المهاجرين. كان تأثير تيدي روزفلت (رئيس الولايات المتحدة بين عامَي 1901 و1909) هائلاً على هذا الكتاب. فهو واحد من آباء التقدمية السياسية، وقد حسّن مستوى معيشة الجماعات ذات المداخيل المنخفضة والمتوسطة. نحن نحتاج إلى مقاربة مماثلة مجدداً وإلا فسيفرض اليسار المتطرف سيطرته.ما معنى ذلك بالنسبة إلى مستقبل الحزب الجمهوري؟
أخشى أن يصبح الجمهوريون أقرب إلى ترامب. يتمتع أشخاص مثل ماركو روبيو أو توم كوتون بهذه القابلية.ماذا عنك؟ أنتَ لست سياسياً، لكنك جمهوري تحت الأضواء ويمكنك أن تقدم المساعدة.
قادة الحزب لا يحبوني، لكني أوجّه لهم الرسالة التالية: زيدوا انفتاح الحزب، واجعلوه أقرب إلى الفسيفساء الملوّنة التي يتألف منها الشعب الأميركي. إذا كانوا يسعون إلى تحقيق هذا الهدف، يمكنني أن أقدم المساعدة. لكن إذا أصروا على التمسك بمواقفهم العنصرية والكارهة للأجانب وفضّلوا قمع الناخبين للحفاظ على سلطتهم بدلا من تطوير الأفكار، فلن أستطيع المساعدة، ولن يرغبوا في تلقي مساعدتي في هذه الحالة أصلاً.هل تشعر بالإهانة حتى الآن لأن ترامب طردك بعد مرور 11 يوماً فقط على تسلم منصبك؟
لا. لقد تم فصلي ثم تعرضتُ أنا وعائلتي لهجوم قوي. لكني شخص ناضج وأستطيع تحمّل ذلك. لكن في هذه المرحلة، يجب أن نتكلم قليلاً عن ستيف بانون...إنه مستشار ترامب السابق الذي يحلم اليوم بالتخلص من رئيس مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر راي، والاختصاصي في علم المناعة أنتوني فاوتشي.تمت إقالتي، لأنني وصفتُ بانون بكلمات بذيئة أمام أحد الصحافيين في مجالسنا الخاصة، ثم نشر الصحافي كلامي وطُرِدتُ من منصبي. لقد ارتكبتُ خطأً. ما كان يُفترض بي أن أقول ذلك الكلام. يستطيع الناس أن ينعتوني بجميع الصفات السيئة، لكني صادق دوماً. ويجب أن نُسَرّ جميعاً، لأنني ساهمتُ في طرد بانون من بعدي. تخيلوا أن يجلس ذلك المجنون مع ترامب في البيت الأبيض في هذه اللحظة!بالعودة إلى المرحلة الراهنة، ما الخطوات التي تحتاج الحكومة الجديدة إلى اتخاذها؟
يجب أن تُجدد أمل الجماعات ذات المداخيل المنخفضة والمتوسطة كي تتراجع ظاهرة الشعبوية مجدداً، كما حصل في ألمانيا خلال حقبة ما بعد الحرب.تقول إن اليساريين المتطرفين قد يسيطرون على الديمقراطيين، لكنّ مطالبهم تبدو أقرب إلى الديمقراطية الاجتماعية، لا الاشتراكية، بنظر الأوروبيين. هل يستطيع بايدن أن يبقي أصوات معسكر اليسار محدودة في حزبه الذي يريد إطلاق برامج كبرى في مجال الرعاية الاجتماعية وتوسيع المحكمة العليا ومجلس الشيوخ كي يشملا أعضاءً منالعاصمة واشنطن وبورتوريكو؟
نعم، أظن ذلك. كان بايدن قوياً بما يكفي كي لا يترك الحزب بيد يساريين من أمثال ألكسندريا أوكاسيو كورتيز. هو يبلغ 77 عاماً، ويريد أن يتسلم دفة القيادة. أظن أنه يملك فرصة جيدة كي يحكم البلد بطريقة غير حزبية.لكنه لا يبدو نشيطاً جداً. هل سيستلم هو دور المُصلِح في نهاية المطاف ويكلّف نائبة الرئيس كامالا هاريس بالمهام اليومية؟
لا فكرة لديّ. لا أعلم كيف سيتعاونان في ما بينهما. أنا أعرف بايدن جيداً. تواجدنا معاً في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس وناضلنا من أجل حقوق المثليين. أكنّ له احتراماً شديداً، وأظن أنه فاز بهذه الانتخابات بفضل شخصيته. لكني لم أقابل هاريس إلا مرة واحدة ولا أعرفها شخصياً.حفاظاً على ميزان القوى، هل تُحبّذ أن يتابع الجمهوريون السيطرة على مجلس الشيوخ؟
نعم. أنا براغماتي بطبيعتي وغير ايديولوجي. يعرف بايدن ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، منذ أربعة عقود. هما صديقان. قد يتمكنان إذاً من سد الفجوة القائمة ويتعاونان لوضع برنامج للبنى التحتية وحزمة من الحوافز تسمح لنا بتجاوز عواقب وباء "كوفيد-19".ما الذي يتوقعه قطاع الأعمال من بايدن؟ يبدو أن وول ستريت لا تخشاه.
أظن أن "وول ستريت" تفضّل أن يسيطر الجمهوريون على الكونغرس. رحيل ترامب يشكّل راحة نفسية، وبقاء ماكونيل يضمن الراحة المادية. يستطيع الجمهوريون أن يمنعوا الحكومة من رفع الضرائب. أظن أن "وول ستريت" تحافظ على جو تفاؤلي لهذا السبب.هل سينظّم الديمقراطيون شركات التكنولوجيا الكبرى بصرامة إضافية؟ أم أنهم سيمتنعون عن هذه الخطوة، لأن تلك الشركات تُعتبر من أبرز الجهات المانحة للديمقراطيين؟
لا أدري، لكن ستكون هذه الخطوة إيجابية. من المعروف أن الاحتكارات تعوق الابتكار وتشوّه الأسعار. يمكننا أن نعود إلى عهد تيدي روزفلت (الرئيس الأميركي بين 1901 و1909) لمعرفة ما يحصل. لقد كان الرئيس الذي فكّك الاحتكارات الكبرى في تلك الحقبة، ونجح بذلك في التحفيز على الابتكار. كانت شركة الهواتف "إي تي آند تي" آخر جهة احتكارية كبيرة يتم تدميرها في عام 1984. تشتق التكنولوجيا اليوم من تلك المرحلة. نحتاج إلى تجديد تلك الجهود.لكنّ شركات التكنولوجيا الكبرى ستدافع عن نفسها بجميع الوسائل المتاحة.
هذا مؤكد. سيقول المعنيون حتماً: التكنولوجيا التي نقدمها تُخفّض الأسعار. لكنها تسحق الابتكارات على أرض الواقع. عند تطوير أي تطبيق لجهاز "آيفون"، تسيطر شركة "آبل" على الأسعار وحجم العمولة التي يمكن تقديمها مقابل المبيعات.هاجم ترامب السياسة التجارية الصينية وفرض رسوماً جمركية على الورادات. ألم تكن انتقاداته السبب الأساسي للمشكلة؟
لم تكن مهاجمة الصينيين بتلك القوة أفضل فكرة على الإطلاق. يواجه الأوروبيون بدورهم مشاكل مع الصين. كنا نستطيع أن نتكاتف معاً كي نتحاور مع الصين التي تشكّل كتلة تجارية فيها حوالى مليار شخص. لكن فشل ترامب في حل المشكلة بالطرق الدبلوماسية. يُعتبر الاتفاق التجاري مع الصين فشلاً ذريعاً، وقد أصبح عجزنا اليوم أكبر بكثير مما كان عليه. واستناداً إلى التجارب التاريخية، نعرف اليوم أن التحالفات تكون مفيدة لجميع الأطراف المعنية، لكن عمد ترامب إلى مهاجمة القادة الديمقراطيين مقابل الإشادة بالطغاة، فزاد الوضع تعقيداً نتيجةً لذلك.هل من فرصة لإعادة إحياء "شراكة التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي"، أي الاتفاق التجاري الحر بين الولايات المتحدة وأوروبا؟
ستكون هذه الخطوة إيجابية حتماً. ستنعكس السيطرة على النفوذ الصيني إيجاباً على مصالح الاقتصاد الأميركي. بالمناسبة، ارتكبت هيلاري كلينتون خطأً في 2016، فهي لم تدعم "شراكة التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي"، لأنها لم تكن متأكدة من أن الأميركيين سيفهمون أن الولايات المتحدة تستفيد من تلك الاتفاقية، لذا اكتفت بالرد على رسائل ترامب السخيفة ورضخت لألاعيبه.أنت رجل وطني أولاً وجمهوري ثانياً. ما الذي تشعر به بعد انتهاء عهد ترامب الفوضوي؟
أشعر بالحزن بكل بساطة. لقد فوّت عدداً كبيراً من الفرص المهمة. هو شخص ديماغوجي وعنصري وقومي. حتى أغسطس 2019، كنت لاأزال أؤمن بمقاربته وبأجندة الحزب الجمهوري رغم طردي من منصبي. في تلك الفترة، كان ترامب متقدماً جداً في استطلاعات الرأي، وبدا فوزه بولاية رئاسية ثانية مضموناً. لكن سرعان ما أصبح الوضع أصعب من أن أتحمّله.من أي ناحية؟
لقد بدأ يحتجز النساء والأولاد في أقفاص على الحدود، ويحرم أجهزتنا السرية من الموارد. هو يعتبر الصحافيين من أمثالكم أعداءً للشعب، ويدعو النساء الديمقراطيات والأميركيات من أصل إفريقي أو مسلم في الكونغرس للعودة إلى بلدانهنّ الأصلية مع أنهنّ مولودات في الولايات المتحدة. في مرحلة معينة، اضطررتُ إلى الاعتراف بأن دعمه كان قراراً خاطئاً. يقول لي أصدقائي الليبراليون: "طوني، هو لايزال الرجل الذي كان عليه منذ 25 سنة"! هذا صحيح. أصبحتُ اليوم أكثر ذكاءً. لكني أدرك أكثر من أي وقت مضى حجم الألم والضرر الذي سببّه سلوكه.ما الذي يمنحك الأمل؟
يتجدد الأمل دوماً لأن جزءاً كبيراً من العالم ينسب هذا الوضع الشائك كله إلى ترامب، لا الشعب الأميركي. حين يُسمَح للاعب الغولف بتكرار المحاولة بعد ضربة فاشلة من دون محاسبته، تُسمّى هذه الحالة "موليغان". وأظن أن العالم سيعطينا أربع سنوات إضافية لتصحيح الوضع بعد ضربة ترامب الفاشلة.