اشتدت حدة الخلافات الداخلية في إيران بشأن قانون جديد أقره مجلس الشورى أخيراً للتخلص من قيود الاتفاق النووي الدولي، بعدما تخلف رئيس الجمهورية حسن روحاني عن الالتزام بمهلة زمنية لتنفيذ القانون المثير للجدل، على أمل أن يعود الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى الاتفاق المبرم عام 2015 ويقوم برفع العقوبات التي فرضها سلفه دونالد ترامب على طهران.

وقال رئيس مجلس الشورى (البرلمان) محمد باقر قاليباف، أمس، إنه كان من المفترض أن يقدم روحاني القانون للسلطات المعنية لتنفيذه في غضون خمسة أيام من إقراره، «لكن هذا لم يحدث وانتهت المهلة».

Ad

ورغم أن قاليباف قادر من الناحية القانونية على تنفيذ القانون، الذي أقر أيضاً من مجلس صيانة الدستور، دون موافقة روحاني، فإن هذه ستكون سابقة في السياسة الداخلية الإيرانية. ولم يتضح بعد ما الذي سيحدث لاحقاً.

ويرى مراقبون، أن المتشددين يريدون قطع الطريق على أي مفاوضات قد يدخل فيها الرئيس الإصلاحي روحاني مع بايدن، بهدف تقليل فرص فوز القوى الإصلاحية المعتدلة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة العام المقبل.

ويلزم القانون منظمة الطاقة الذرية الإيرانية برفع مستويات تخصيب اليورانيوم، وإنتاج ما لا يقل عن 120 كيلوغراماً من اليورانيوم بمستوى تخصيب 20 في المئة سنوياً في منشأة فوردو وتخزينه خلال شهرين من بدء اعتماد القانون الذي يخرق الاتفاق النووي بشكل صريح.

كما يتضمن القانون الذي أقره البرلمان، الذي يسيطر عليه المتشددون، إنهاء عمليات التفتيش التي يقوم بها مفتشو الأمم المتحدة للمواقع النووية الإيرانية بداية من يناير المقبل إذا ما لم ترفع واشنطن العقوبات الرئيسية.

ترقب ورهان

ووسط ترقب لتدخل المرشد الأعلى علي خامنئي من أجل حسم الخلاف بشأن القانون، الذي جاء تمريره كرد على اغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده نهاية نوفمبر الماضي، في حادث اتهمت السلطات الإيرانية إسرائيل بتدبيره بالتواطؤ مع الولايات المتحدة، خاطب روحاني الرئيس الأميركي الفائز والأطراف المشاركة في الاتفاق النووي، قائلاً إنه «عندما تنفذ مجموعة 1+5 أو 1+4 جميع تعهداتها سنعود نحن أيضاً إلى جميع التزاماتنا».

ودعا روحاني، الذي يراهن على إمكان العودة للاتفاق النووي من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية في طهران، الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية إلى «تنفيذ التعهدات والتعويض عن الخسائر» التي ألحقت بإيران نتيجة انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، «لكي تعود إيران إلى تنفيذ جميع التعهدات»، أي أنها تتخلى في هذه الحالة عن الخطوات النووية الخمس التي اتخذتها على مدى العامين الأخيرين رداً على تداعيات «الانسحاب ومماطلات الشركاء الأوروبيين في تنفيذ التزاماتها».

وتساءل الرئيس المحسوب على التيار المعتدل في الجمهورية الإسلامية: «كيف خرج ذلك الرجل التاجر الأمي من الاتفاق النووي بتوقيع؟، وأعلن انسحابه منه؟». واستطرد: «اليوم يمكن لخلفه أن يعود إلى الاتفاق بتوقيع، وهذا لا يستغرق وقتاً ولا يحتاج إلى مفاوضات».

وعرج روحاني على الانتقادات الأوروبية الأخيرة لبلاده على خلفية تركيب أجهزة الطرد المركزي الجديدة في منشأة «نطنز» النووية، وقال إن تركيب هذه الأجهزة (IR2) «في نطنز ليس شيئاً جديدً ًونحن سبق أن أعلننا ذلك».

وصب الرئيس الإيراني، مجدداً جام غضبه على الرئيس الأميركي الذي تنتهي ولايته في 20 يناير المقبل، ليوجه له «مئات اللعنات»، لخلقه مشاكل كبيرة أمام إيران في تجارتها الخارجية، قائلاً: «عندما نقدم على أي خطوة ونريد استيراد أي دواء ومعدات ولقاح نوجه مئات اللعنات لترامب». واتهم «الجماعة الخبيثة التي تحكم البيت الأبيض اليوم» بعدم الرحمة حتى في الدواء والصحة، في إشارة إلى العقوبات الشاملة «التاريخية» التي فرضها ترامب.

عودة للصندوق

في هذه الأثناء، قال جايك سوليفان، الذي عينه بايدن مستشاراً للأمن القومي في الإدارة الأميركية الجديدة، إن إدارة بايدن تريد إعادة إيران «إلى الصندوق» من خلال الانضمام إلى الاتفاق النووي وإجبار طهران على الامتثال لشروط الاتفاقية الأصلية، وستكون الولايات المتحدة مستعدة لاحترام شروط اتفاق 2015. وأضاف: «نعتقد أنه ممكن وقابل للتحقيق».

وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن بايدن سيحاول التراجع عن الضرر الذي يعتقد معسكره أنه حدث عندما سحب ترامب الولايات المتحدة من الصفقة في عام 2018. وستؤدي العودة إلى هذا الاتفاق، والذي يعني رفع العقوبات عن طهران، وتسهيل أموال بمليارات الدولارات لطهران، إلى تمهيد الطريق لـ«مفاوضات متابعة حول قضايا أوسع» تضمنت أنشطة طهران في المنطقة وتسلحها الباليستي المثير للقلق.

قتلة زاده

من جانب آخر، أعلن نائب رئيس البرلمان الإيراني للعلاقات الدولية، حسين أمير عبداللهيان، أن القوات الأمنية حددت الجهات التي أمرت بتنفيذ اغتيال العالِم النووي محسن فخري زاده، وألقت القبض على البعض من منفذيه.

وأوضح عبد اللهيان، في تصريحات مساء أمس الأول، حول عملية الاغتيال التي تمت قرب العاصمة طهران أن تفاصيل قضية اغتيال زاده المعروف بـ«عراب البرنامج النووي الإيراني» ستعلن من الجهات المختصة.

إلى ذلك، رحبت منظمة العفو الدولية بتوجيه الأمم المتحدة رسالة إلى إيران مطالبة بالمحاسبة بشأن الإعدام التعسفي لآلاف المعارضين في السجون في 1988، محذرة من احتمال ارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» خلال الحملة التي يقول البعض إنها شهدت مجازر بحق أنصار «مجاهدي خلق».

وأكدت الأمم المتحدة في جنيف مضمون الرسالة التي بعثت بها في سبتمبر الماضي، ولم يتم الإعلان عنها بعد، بشأن الأحداث التي وقعت عقب انتهاء الحرب العراقية ــ الإيرانية واستهدفت أنصار «مجاهدي خلق» التي وقفت مع بغداد خلال الحرب.