مع اقتراب انقشاع غيوم كورونا وسط إعلانات متتالية عن لقاحات عالية الفاعلية للقضاء على الفيروس، يتأهب الاقتصاد العالمي لتسجيل أفضل وتيرة نمو سنوية خلال العام المقبل منذ عام 1979 أي نحو 40 عاماً مع توقعات بنمو مطرد لكل قطاعات الاقتصاد التي نالت منها الجائحة، بحسب مذكرة بحثية حديثة صادرة عن أوكسفورد إيكونوميكس.

وقالت المذكرة، التي اطلعت «العربية.نت» على نسخة منها: «بدعم من لقاحات كوفيد 19، نعتقد أن وتيرة نمو الاقتصاد العالمي خلال العام المقبل ستكون الأسرع على مدار الأربعين عاماً الماضية، لكن الأمر لن يبدو كطفرة كبيرة في النمو، إذ سيكون النمو متفاوتاً وتحدده عوامل مختلفة».

Ad

وترى الشركة البحثية أن النمو العام المقبل سيمتاز بثلاثة ملامح رئيسية، أولها حسابات الفائزين والخاسرين في معركة الحصول على اللقاح.

وقالت المذكرة: «نتوقع تخفيفاً متتالياً للإجراءات الاحترازية والقيود في الأسواق المتقدمة بحلول مارس أو أبريل المقبل، مما سيتسبب في قفزة باقتصادات تلك البلدان بحلول منتصف العام المقبل، فيما ستكون عملية توزيع اللقاح في الأسواق الناشئة أبطأ من نظيرتها في الأسواق المتقدمة، لكن بعد الأسواق على وجه التحديد ستستفيد من انتعاش الاقتصاد في البلدان المتقدمة».

ولا تتوقع أوكسفورد إيكونوميكس أن يتسبب توزيع اللقاح في إنعاش قطاعي السفر والسياحة على نحو هائل وإن كانت تلك القطاعات ستشهد تعافياً من آثار الجائحة، لكن يبقى تعافي السفر والتنقل لمسافات طويلة أبطأ من وتيرة تعافي السفر الداخلي.

وعلى جانب آخر، يرى التقرير أن قطاع الصناعة سيكون بمنزلة نقطة مضيئة في مشهد الاقتصاد العالمي العام المقبل.

وقالت المذكرة، «على المدى القريب فإن القطاع يتمتع بأوضاع تفضيلية مع استمرار الاستجابة لمعدلات الطلب المرتفعة وبناء المخزونات، لكن النصف الثاني من العام قد يشهد أوضاعاً صعبة للقطاع مع تغير عادات المستهلكين وتوجههم نحو القطاع الخدمي».

وتوقعت عودة الزخم إلى القطاع الخاص ليقود مشهد الاقتصاد العالمي مرة أخرى بعد التعافي من آثار الجائحة.

وقالت المذكرة: «ستنتقل عصا النمو من يد القطاع العام إلى القطاع الخاص كما كان الوضع ولكن هذا الانتقال لن يكون سلساً. أخطاء الماضي فيما يتعلق بالتوجه السريع نحو إجراءات التقشف سيتم تلافيها لكن السياسات الاقتصادية لن تكون منظمة على الصعيد العالمي ومخاطر أن تتراخى الحكومات كبيرة، لذا لا نعتقد أن التضخم الأساسي سيرتفع خلال العام المقبل».

من جانبه، كشف رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، أن الأمر سيستغرق من سنتين إلى ثلاث سنوات حتى يعود الناتج العالمي إلى مستويات ما قبل الوباء، مع تعافي العديد من الدول النامية ببطء من الركود الناجم عن جائحة «كوفيد-19» بدعم من اللقاحات.

وأوضح مالباس خلال قمة عقدتها «وول ستريت جورنال» هذا الأسبوع أن عمليات التعافي في الاقتصادات المتقدمة تسير إلى حد ما بشكل أسرع من المتوقع، ومع ذلك فإن الوضع معقد في عدد من الاقتصادات النامية، لا سيما بسبب انخفاض تدفق السياح.

وتابع أن جائحة «كوفيد-19» تسببت في انهيار الاقتصاد العالمي خلال عام 2020، ودفعت بحوالي 100 مليون شخص إلى حالة فقر مدقع بعدد من الدول الفقيرة.

وأشار إلى أن طريقة إنقاذ سبل العيش والأرواح البشرية هي توصيل الأفراد باللقاحات بمجرد توافرها، وأن القيام بذلك على نطاق عالمي غير مسبوق يمثل تحدياً هائلاً خصوصاً بالنسبة للدول النامية.

وتشير بيانات مؤسسة «Duke Global Health Innovation Center»، اطلعت عليها «العربية.نت»، إلى أن مصر أبرمت اتفاق شراء متقدماً (APAs) للحصول على 55 مليون جرعة من لقاح أسترا زنيكا – أكسفورد، ولقاح «سبوتنك في» الروسي، وهو ما يكفي لتطعيم نصف السكان. وتسعى أيضاً مصر لأن تكون مركزاً لتصنيع لقاح سينوفاك الصيني. وتظهر البيانات الرسمية المصرية أن مصر ستحصل على 20 في المئة من احتياجاتها من لقاح كورونا عبر قمة التحالف الدولي للقاحات والتحصين (جافي) بسعر مخفض، فيما ستحصل على 30 في المئة من احتياجاتها من أسترا زنيكا، فيما تتواصل السلطات حالياً مع شركات أخرى لتوفير احتياجاتها من اللقاح قبل نهاية 2021.

دول الخليج

ومن المتوقع أن تكون دول الخليج الأسرع وصولاً للقاح، حيث عدد السكان قليل والدخل المرتفع يمكنها من شراء اللقاح مباشرة.

وأعلنت السعودية أنها ستقوم بشراء لقاح سبوتنيك الروسي، وأعلنت الكويت شراء مليون لقاح من شركة فايزر.

ووفقاً لبيانات Duke، لم توقع الإمارات حتى الآن على اتفاقية شراء متقدم لأي لقاح لفيروس كورونا، مع سعي الدولة للعب دور مهم في توزيع اللقاح حول العالم جوا، وهو ما يمكنها من تأمين حصتها من اللقاح.

ستعتمد الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي لا تستطيع شراء كمية كبيرة من اللقاح أو توفيره بصورة مباشرة، على الدعم في إطار آلية التزام السوق المسبق لكوفاكس (COVAX AMC).

«كوفاكس»

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فتضم مبادرة كوفاكس تسعة لقاحات مرشحة مدعومة من الائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة (CEPI)، بالإضافة إلى تسعة لقاحات مرشحة أخرى في طور التقييم، في حين تجري محادثات مع منتجين آخرين لا يتلقون حاليا أي تمويل لأنشطتهم المتعلقة بالبحث والتطوير في إطار المبادرة مما يتيح لمبادرة كوفاكس أكبر محفظة من اللقاحات المضادة لمرض كوفيد-19 وأكثرها تنوعاً في العالم.

والمشكلة الرئيسية بشأن هذه الآلية تتمثل في مدى سرعة وصول اللقاح لهم، ومدى سرعة توزيعه على الدول الأكثر احتياجاً.

ويشير تحليل من قبل شركة دي إتش إل المتخصصة في الشحن، أن درجة الحرارة المطلوبة لحفظ اللقاح، مثل الذي تصنعه فايزر، ستمثل عائقا لتوزيعه في جميع دول المنطقة باستثناء الإمارات.

عودة الحياة

بمجرد بدء توزيع اللقاحات، فمن المتوقع أن تبدأ عجلة الاقتصاد في الدوران مرة أخرى، مع إزالة الإجراءات الاحترازية. وتشير أغلب التوقعات، إلى أن الإجراءات الاحترازية في المنطقة لمواجهة كورونا ستزول في النصف الثاني من 2021.

وستكون أكثر الدول التي عانت من تداعيات كورونا، هي الأكثر استفادة من اللقاح، مثل دول شمال إفريقيا.

وإضافة إلى ذلك، فإن المناطق التي تأثرت فيها القطاعات الاقتصادية من جراء التباعد الاجتماعي، ستكون من أكبر المستفيدين، مثل دبي، وفقاً للمحلل الاقتصادي لدى كابيتال ايكونوميكس جاسون توفي.

وقال إن هناك 3 فوائد غير مباشرة ستجنيها دول المنطقة من توزيع اللقاحات، بخلاف رفع القيود، أولها هو انتعاش الطلب الخارجي، إذ يتوقع أن يعود النمو العالمي إلى مستويات ما قبل الجائحة بحلول الربع الثاني من 2021.

وتابع: «لن يعود النشاط الاقتصادي تماماً إلى مساره السابق قبل الجائحة خلال العامين المقبلين».

أما ثاني تلك الفوائد، وفقاً لتوفي، فتتمثل في عودة السياحة الخارجية، وثالث تلك الفوائد تتمثل في تحسن شهية المخاطر العالمية، ما يؤدي إلى تحسن تدفقات رأس المال إلى أسواق المنطقة، وهو ما سينعش اقتصادات الدول التي تواجه عجزاً في الميزان الجاري مثل مصر والمغرب وتونس والأردن والبحرين وعمان.

الدول المنتجة للنفط

عانت الدول المنتجة للنفط من تداعيات كورونا بشدة، إذ أدى السلوك الذي فرضه الفيروس على العالم المتمثل في العمل من المنزل وانخفاض أو شبه انعدام السفر جواً، إلى تراجع الطلب العالمي على النفط. ومع توزيع اللقاح، فإن الحياة ستعود جزئياً إلى طبيعتها.

وتتوقع كابيتال ايكونوميكس أن يتراوح سعر خام برنت بين 49 و60 دولاراً للبرميل بنهاية العام المقبل.

وقالت كابيتال ايكونوميكس، لـ «العربية.نت»، إنها رفعت توقعاتها لمعدل النمو الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 5.6 في المئة في 2021 مقابل توقعاتها السابقة عند 5 في المئة، كما قلصت من توقعاتها لإنكماش اقتصاد المنطقة العام الجاري ليصل إلى 5.1 في المئة مقارنة بتوقعها السابق بتراجع الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بـ 5.7 في المئة. وتظهر البيانات، أن الإمارات ستكون الأكثر نمواً بحلول العام المقبل بنسبة 9.8 في المئة مقابل انكماش متوقع قدره 9.3 في المئة، تليها المغرب الذي ستحقق نمواً قدره 9.3 في المئة مقابل انكماش بـ 6 في المئة.

ومن المتوقع أن تحقق السعودية نمواً بـ 3.5 في المئة في 2021، مقابل انكماش بـ 4 في المئة العام الحالي، ومصر ستحقق نمواً بـ 6.8 في المئة مقابل 1 في المئة العام الحالي.

الديون أكبر التحديات

من التحديات التي ستستمر في دول المنطقة حتى بعد زوال الفيروس، هي الديون. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع ديون دول المنطقة (باستثناء لبنان) بنحو 64 في المئة لتصل إلى 1.5 تريليون دولار بحلول 2025. الزيادة الكبيرة بالديون السيادية ستكون من نصيب الكويت، وسترتفع من 12 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي إلى 91 في المئة بحلول 2025. ومع ذلك، فإن حقبة ما بعد كورونا قد تمثل فرصة كبيرة لدول المنطقة، وفقا للمحلل بشركة بي دبليو سي، ريتشارد بوكشال. ويقول إن دول الخليج قد تستطيع أن تقلص تكاليف العمالة في قطاع الخدمات بعدما استطاعت أن تقدم تلك الخدمات عبر العمل عن بعد وقت كورونا، وفي الوقت ذاته تستطيع جذب الموظفين ذوي المهارات العالية، والمهاجرين الأثرياء.

وفي تقرير لفيتش صدر بعد بدء التطعيم ضد كورونا في بريطانيا أمس، أرسلته للعربية، قالت إن الانتعاش الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيتأثر بضعف توقعات الطلب على النفط، وجهود ضبط أوضاع المالية العامة بعد الارتفاع الحاد في الديون خلال عام 2020. ومع ذلك، ستسجل معظم الدول السيادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحسناً في النمو وتحسناً في الأرصدة المالية الخارجية في عام 2021، مع تعافيها من صدمة فيروس كورونا، وتعافي أسعار النفط، وتخفيف إجراءات التحفيز، وفقا لفيتش. لكن معاناة الميزانيات العمومية في دول المنطقة ستتواصل على الرغم من الجهود المبذولة للتخفيف من تأثير الوباء على الاستدامة المالية، على الرغم من أنها لا تزال قوية جداً بالنسبة للحكومات ذات التصنيف الأعلى في مجلس التعاون الخليجي. وقالت فيتش إن 5 دول عربية من بين 15 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصنفها الوكالة بنظرة مستقبلية سلبية، في حين خفضت التصنيف الائتماني هذا العام لكل من البحرين ولبنان والمغرب وعمان وتونس.