توقّع العلاقات بين واشنطن والإمارات في ظل إدارة جو بايدن

نشر في 11-12-2020
آخر تحديث 11-12-2020 | 00:00
ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد - الرئيس المنتخب جو بايدن
ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد - الرئيس المنتخب جو بايدن
من المرجح أن تستمر الشراكة القوية بين الولايات المتحدة والإمارات، بل ستزدهر في عهد بايدن، ولكي يحدث ذلك من الطبيعي أن تكون هناك بعض التعديلات الهامشية من كلا الجانبين، وأعتقد أن العمل جار بهذا الاتجاه.
لطالما كانت الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة حليفَتين متقاربَتين منذ أن نالت الأولى استقلالها قبل نحو نصف قرن، وفي السنوات الأخيرة توسَّع هذا التعاون الوثيق والواسع ليشمل قطاعات جديدة في غاية الأهمية؛ كالطاقة النووية، ومنظومات الصواريخ الدفاعية ضد إيران، والحوارات على أعلى المستويات، والمساعي المشتركة لتعزيز التسامح الديني، والعمل المشترك الأكثر صرامة بشأن مكافحة الإرهاب والتمويل غير المشروع والعقوبات على إيران، وصفقة مبيعات الطائرات المتقدمة من طراز «إف-35»، وبالطبع التطبيع العربي للعلاقات مع إسرائيل.

ولكن الآن يوجد «عمدة جديد في المدينة» كما يُقال في الولايات المتحدة، وهو الرئيس المنتخب جو بايدن، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف سيتعامل بايدن وفريقه مع الشرق الأوسط بشكل عام ومع الإمارات بشكل خاص؟

النقطة الأولى التي يجب توضيحها في هذه الجولة الموجزة في المشهد السياسي الجديد هي أن الشرق الأوسط سيستمر في كونه مجالاً رئيساً للسياسة الخارجية الأميركية؛ ولكن ربما لن يكون في أعلى سلم الأولويات للفريق الجديد في البيت الأبيض، إذ إنه من المتوقع أن يركز هذا الفريق أولاً على القضايا الأميركية المحلية العاجلة؛ مثل جائحة كورونا، والاقتصاد، والاستقطاب الاجتماعي المؤسف في أميركا، وفي السياسة الخارجية، من شبه المؤكد أن يسارع أعضاء الفريق إلى إصلاح العلاقات الأميركية مع أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية، حتى قبل التحوّل بجدية نحو الشرق الأوسط، ولكنهم لا يستطيعون أن ينسوا تلك المنطقة، وذلك ببساطة بسبب المصالح والالتزامات الأميركية الرئيسة، ومتطلبات إدارة الأزمات هناك.

والنقطة الثانية هي أن المسؤولين الرئيسيين الذين تم تعيينهم في فريق السياسة الخارجية لجو بايدن هم أشخاص يتميزون بالوسطية والصلابة ومن أصحاب الخبرة والكفاءة، كذلك هم ليسوا من الجناح «الراديكالي» للحزب الديمقراطي، لذلك يمكن الاعتماد عليهم في بناء سياسات بناءة وجادة، بالتشاور مع جميع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة وشركائها في الخارج، وهذا بحد ذاته سيكون تغييراً مرحباً به، ولكن في العديد من المجالات، يتوقع كاتب هذه السطور أن تكون هناك استمرارية أكثر من تغيّرات كبيرة.

بالإضافة إلى ذلك، أكد فريق بايدن القادم بشكل غير رسمي استعداده لاستئناف المفاوضات مع إيران، ومع ذلك، يردّد فريق ترامب الشيء نفسه تقريباً، والسؤال المهم هو تحت أي شروط سيتم التفاوض وما النتيجة المرجوة منه؟ لقد أشار فريق بايدن استعداده لإعادة النظر في «خطة العمل الشاملة المشتركة» مع إيران، على أمل مراجعتها وتوسيعها وإطالة أمدها أو ربما إلغاء تحديدها بزمن معين، وإضافة قضايا جانبية مثل تقييد الصواريخ الإيرانية، والميليشيات الإيرانية، والتهديدات الإيرانية الأخرى. وحتى الآن يأتي الرفض لهذه الأجندة من جهة إيران، ومن شبه المؤكد أن يستمر المرشد الأعلى في موقفه المتصلب حتى ما بعد «الانتخابات» الرئاسية الإيرانية في الربيع المقبل.

لذا، فإن النتيجة الأكثر احتمالاً على المدى المتوسط هي محاولة الولايات المتحدة رفع العقوبات المختارة على إيران (أو على الأقل تخفيفها) مقابل موافقة إيران غير الرسمية على وقف انتهاكاتها للاتفاق النووي الأساسي لعام 2015 وسيشكّل هذا الأمر تحوّلاً، ولكن غير خطير، وسيترافق في هذه الإدارة الأميركية الجديدة- على عكس ما جرى في عهد إدارة أوباما- مع مشاورات صادقة مع شركاء الولايات المتحدة في المنطقة من العرب والإسرائيليين وغيرهم.

ويرتبط بهذا الأمر التقدم الكبير في صنع السلام العربي- الإسرائيلي الذي حصل مؤخراً، ومن المؤكد أن هذا الموضوع هو محل إجماع في واشنطن وليس قضية حزبية، فكلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري يدعمان بقوة «اتفاقيات أبراهام»، صحيح أن بعض الديمقراطيين أثاروا مخاوف بشأن الارتباط بصفقات طائرات «إف-35» مع الإمارات، وبصراحة، لا أرى في ذلك عقبة خطيرة، ويعود ذلك إلى التفاهمات الجديدة حول هذا الموضوع مع الحكومة الإسرائيلية من جهة، وإلى الحسابات الاستراتيجية الأميركية من جهة أخرى.

إن كلمة «الارتباط» المعقّدة المذكورة آنفاً تستحضر المشكلة الفلسطينية أيضاً، فبناءً على التصريحات المتسقة لفريق بايدن في الآونة الأخيرة، يمكن أن نتوقع بثقة أنه سيعمل على استعادة العلاقات مع السلطة الفلسطينية في المجالين الدبلوماسي والاقتصادي، وعلى القدر نفسه من الأهمية سيسعى بشكل شبه مؤكد إلى تحويل اتفاقيات التطبيع العربية الأخرى مع إسرائيل إلى «جسر» نحو التقدم العملي في مسألة السلام الإسرائيلي- الفلسطيني.

وإذا تم التعامل مع هذا الأمر بعناية واهتمام زائد، على عكس ما كانت عليه الحال في سنوات إدارة أوباما، يمكن أن يشكل ذلك نهجاً بناءً للغاية يؤدي إلى خدمة مصالح وقيم المعنيين بأجمعهم، ولهذا السبب على الإمارات أن تتطلع إلى مناقشات غير محدودة الأفق وبعقلية منفتحة مع جميع الفرقاء حول هذه القضية، الأميركيين والإسرائيليين والفلسطينيين، وأشقائهم العرب، ويمكن الاستفادة من المساهمة التاريخية التي سجلتها الإمارات بالفعل على هذه الجبهة لتحقيق المزيد من التقدم في الفترة المقبلة، وهو أمر يحظى بتقدير في واشنطن.

وبالحديث عن خلافاتٍ أخرى في المنطقة، قطر واليمن وليبيا وتركيا، ترى إدارة بايدن، على غرار إدارة ترامب، أن الخلاف داخل «مجلس التعاون الخليجي» هو بمثابة تشتيت مزعج عن التركيز على المصالح المشتركة والجهود المبذولة لاحتواء إيران. وستستفيد الإمارات من الترويج الفعال للتوصل إلى حل وسط، والذي تُظهر استطلاعات الرأي أن هذا ما ترغب به حقاً الشعوب في جميع دول الخليج بما فيها المملكة العربية السعودية، وفيما يتعلق باليمن وليبيا، فإن ضبط النفس الإماراتي على الصعيد العسكري الملاحظ حديثاً سيحظى بقبول إيجابي من قبل المسؤولين الأميركيين الجدد، وسيُستكمل ذلك بصورة وافرة من خلال محاولات أكثر جدية للمساعدة في التوسط في محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، والتسويات السياسية في هاتين الدولتين العربيتين المنقسمتين بشكل مأساوي.

وهذا يقودنا إلى الحديث عن تركيا، فمن خلال تقييمنا للوضع في الولايات المتحدة، هناك تداعيات إقليمية مقلقة للنزاع الكبير بين أنقرة وأبو ظبي، ومن المؤكد أن للولايات المتحدة خلافات حادة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي ربما يشتد بعضها خلال إدارة بايدن، من خلال الحُكم على تصريحاته الأخيرة حول هذا الموضوع، ومع ذلك، ستواصل الولايات المتحدة التعاطي مع تركيا كحليف حيوي في «حلف شمال الأطلسي»، وحليف إقليمي. وعلى الرغم من الحديث الفضفاض، فإنه لا يوجد أي احتمال لحدوث تصدّع كبير في العلاقات بين هذين الحليفين القديمين (وإن كانا يتجادلان بحدة في كثير من الأحيان). وبالتالي سيكون من المفيد للعلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات أن يتم إيجاد طريقة ما لإصلاح الخلافات التي تفرّق بين هذه الدول الثلاث أو على الأقل تجاوزها.

والتطّور الطبيعي هنا هو جماعة «الإخوان المسلمين» التي يؤيدها أردوغان، في حين عارضتها الولايات المتحدة في عهد أوباما سابقاً وتعارضها حالياً خلال فترة رئاسة ترامب، وستعارضها أيضاً في فترة بايدن في المستقبل. وقبل عقد من الزمن، قبلت الولايات المتحدة الإطاحة بحسني مبارك، ثم الانتخاب الديمقراطي الذي أوصل «الإخوان المسلمين» إلى السلطة، والسبب أن هذا ما أصر عليه الشعب المصري، ولم يكن لدى واشنطن الرغبة أو القدرة على التدخل في مثل هذه الأحوال، والدليل على ذلك أن الولايات المتحدة قبلت أيضاً في عهد الرئيس أوباما عام 2013، قيام الرئيس عبدالفتاح السيسي بالإطاحة بجماعة «الإخوان المسلمين»، ومن المتوقع أن تستمر واشنطن على هذا الموقف خلال إدارة بايدن أيضاً.

ونصل أخيراً إلى قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة، إذ سيأخذ بايدن وفريقه هذا الأمر على محمل الجد أكثر مما قام به ترامب في أي وقت من الأوقات، وهذا أمرٌ مؤكد، ومع ذلك، فلن يحاولوا تحويل الإمارات أو أية دولة شرق أوسطية أخرى إلى جمهورية على النمط الغربي ضد إرادتها، ومن الأفضل لدولة الإمارات أن تستمع بانتباه إلى كلمات النصح الخاصة من واشنطن حول منح المزيد من حقوق الإنسان، وحرية التعبير، وسيادة القانون، بما يتجاوز مسألة التسامح الديني التي يفخر به الإماراتيون بحق، ومع ذلك يشك كاتب هذه السطور بتخلي حكومة بايدن ببساطة عن جميع المصالح الأميركية القومية الاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة لصالح السعي المثالي بل غير الواقعي للديمقراطية في الشرق الأوسط، وإن تعيين كبار صانعي السياسات من صفوف الوسطيين هو إشارة واضحة ومطمئنة على ذلك، على الأقل حتى الآن.

وفي الختام، من المرجح أن تستمر الشراكة القوية بين الولايات المتحدة والإمارات، بل ستزدهر في عهد بايدن، ولكي يحدث ذلك، من الطبيعي أن تكون هناك بعض التعديلات الهامشية من كلا الجانبين، وأعتقد أن العمل جار بهذا الاتجاه، وأتطلع إلى استمراره الناجح في الأشهر والسنوات القادمة.

● ديفيد بولوك-كيوبوست

في السياسة الخارجية من شبه المؤكد أن يسارع أعضاء فريق بايدن إلى إصلاح علاقات واشنطن مع أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية
back to top