في إصدار الدكتور عبدالله الغنيم الجديد يقدم إضافة جديدة في توثيق تاريخ الملاحة بمنطقة الخليج العربي والمحيط الهندي والبحر الأحمر، ويكشف جانباً من تراث «الملاح الكبير» أحمد بن ماجد لم يكن معروفاً قبل عثوره عليه في مكتبة «البودليان» بأكسفورد صيف عام 2002، عندما كان أستاذاً زائراً لمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، حيث تفرغ لدراسة المخطوطات الجغرافية الغربية في تلك المكتبة.

كانت أعمال «ابن ماجد» ضمن مجموعة «جون سيلدن» ولم يتضمن فهرس المخطوطات بالمكتبة اسم مؤلفها، وجاءت تحت عنوان «مرشدات ملاحية».

Ad

الخلفية العلمية والبحثية

في مقدمة كتاب «ما لم ينشر عن تراث الملاح العربي أحمد بن ماجد» يعثر القارئ على الخلفية العلمية للدكتور عبدالله الغنيم، لا سيما في مجال الملاحة عند العرب ورسالة الماجستير التي أعدها عن الجغرافي العربي «أبي عبيد البكري» واهتماماته التي لم تتوقف سواء في تدريس الفكر الجغرافي في جامعة الكويت أو بتبنيه أعمال بحاثة خليجيين وعرب أسهموا في هذا المضمار، ومواصلته إصدار المؤلفات بعد إنشاء مركز البحوث والدراسات الكويتية عام 1992 وترؤسه له والخاصة بالسفر الشراعي والتراث المتعلق به ونشره لعشرات الكتب لأهل البحر.

قيمة الفهارس

وكعادته في الحرص على استيفاء كتب التراث الجوانب المتصلة بالفهرسة، أورد في نهاية الكتاب، بخلاف قائمة المصادر العربية والأجنبية، خمس قوائم مفهرسة هي، فهرس الأعلام وفهرس الأماكن وفهرس المصطلحات وفهرس الفلك وفهرس الموضوعات، وبتقديري أن هذه الفهارس مجتمعة توازي أهمية نشر «ما لم يُنشر» من تراث أحمد بن ماجد، ففيها يختصر على القارئ الوقت والجهد وفي نفس الوقت الوصول إلى أي معلومة بسهولة ويسر.

الجديد في الكتاب

وجد الدكتور عبدالله الغنيم تحت عنوان «مرشدات بحرية» مجموعة تتألف من ثلاثة أجزاء، الأول كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد، والثاني أرجوزة حاوية الاختصار في أصول علم البحار، والثالث عبارة عن أراجيز وقصائد، وبالاطلاع عليها وجد الباحث أن أرجوزة وثلاث قصائد منها لم تُنشر من قبل.

خُصص في الكتاب فصل للحديث عن «الملاحق» وقسمها إلى ثلاثة، الأول أورد فيه فروق النسخ ما بين المطبوع ومخطوط البودليان، والثاني نماذج من مخطوطات ابن ماجد، والثالث نماذج من سجلات ربابنة الكويت ومرشداتهم عن الطريق الملاحي في البحر الأحمر.

مواصلة البحث بالمخطوطات

ويعتقد الدكتور الغنيم أن ما قدمه في هذا الكتاب ليس خاتمة المطاف مع أعمال ابن ماجد، فما زال أمام الباحثين العديد من الأمور التي تقتضي بذل الجهد لإنجازها، وإن كان نجح في معرفة الأعمال الأربعة الجديدة، فهذا ما يمنح الآخرين العزم على مواصلة البحث عن نسخ أخرى من مخطوطاته، وهو ما يدعو إلى الاهتمام بالمرشدات الملاحية المتأخرة والتي تؤكد التواصل العلمي بين ابن ماجد ومن جاء بعده، ابتداءً من سليمان بن أحمد المهري وعلى بن حسين صاحب كتاب «محيط» وعيسى القطامي ومنصور الخارجي وغيرهم.

الملاحة في البحر الأحمر

ويلفت الباحث الانتباه في خاتمة الكتاب إلى «جمع المعلومات المتعلقة بموضوع واحد للحصول على تقديم متكامل لأعماله» وتفصيل ذلك كما أورده أن ابن ماجد وصف البحر الأحمر، جزره وموانيه وشعابه وطرق الملاحة فيه بمواضع متعددة من أعماله العلمية، من تلك المواضيع العملان الأخيران في هذا الإصدار، ومنها ما ذكره في أرجوزته «السبعية» التي تضمنت نحو 75 بيتاً في وصف الطريق من عدن إلى جدة بدءاً من البيت التاسع والخمسين من الأرجوزة المذكورة، وقد أورد تفصيلات ومعلومات عن الجزر والمجاري بينها وحركة الرياح وقياسات الكواكب تعزز وتفسر ما أوردناه في هذه النشرة، وذكر ابن ماجد هذا الطريق أيضاً في أرجوزة «التائية»، أما قصيدته «المكية» فقد ذكر فيها طريق العودة من جدة إلى عدن، وفصل ابن ماجد كل ذلك نثراً في كتابه «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد»، فقدم صورة شاملة لجزر البحر الأحمر المنتشرة على الطريق الممتد من جدة إلى اليمن (طبعة دمشق 1981م، ص 344 – 394). وإذا أخذنا كل تلك النصوص في الاعتبار ودرست دراسة تحليلية مقارنة يمكن أن نصل إلى تقدير حقيقي لأعمال ابن ماجد وإضافته فيما يتعلق بالملاحة في البحر الأحمر، ويمكن أن يتم هذا الأمر نفسه بالنسبة لبقية المناطق البحرية التي تحدث عنها، سواء أكان ذلك في كتابه أم في أراجيزه وقصائده.

● حمزة عليان