ما زالت المحفزات والأجواء الإيجابية بشأن التوصل إلى لقاح تدفع أسواق الأسهم والسلع نحو الارتفاع، فيما تتراجع قوة الدولار. ومنذ الإعلان الأول عن لقاح فايزر - بيونتيك الواعد في 9 نوفمبر، دبت الحيوية في العديد من الأسواق، لاسيما الأسهم المعنية بالتكنولوجيا وإحدى شركات السيارات، ما أسهم في ظهور ظروف تشبه إلى حد كبير الأسابيع التي سبقت انفجار فقاعة التكنولوجيا قبل عقدين من الزمن، ويدفعنا ذلك إلى الاعتقاد بأن الخطورة المتمثلة في اصطدام التوقعات الإيجابية بالواقع ستزداد عاجلا أم آجلا.وحسب تقرير لـ «ساكسو بنك» استجابت السلع الأساسية، وخاصة المعادن الصناعية والنفط الخام ومنتجات الوقود، للتوقعات بازدياد قوة الطلب من آسيا، وعلى رأسها الصين، بمجرد خروج أوروبا والولايات المتحدة من سحابة كوفيد 19، ومن هنا تمكنت بعض الأسواق، وخاصة قطاع الطاقة، من تجاهل التباطؤ المتجدد في حجم الطلب على الوقود، مع استمرار ارتفاع عدد حالات الإصابة والوفيات الناجمة عن الفيروس.
وواصل الذهب تماسكه، بينما ارتفعت مخاطر زيادة التقلبات جراء النقص الراهن للزخم في وقت انخفاض السيولة هذا العام، وخاصة بعد عودته إلى مستوى الأمان النسبي فوق 1850 دولارا للأونصة، والذي لم يدم أكثر من يوم واحد، بينما اتجهت أسعار الفضة نحو الانخفاض بعد عجزها عن التمسك بعتبة 24.80 دولارا للأونصة جراء دخولنا في مرحلة من العام تشهد دفاعا عن الأرباح، حيث يمكن أن يتسبب نقص الزخم في إحداث تقلبات كبيرة بالأسعار، وتتمثل الأسواق التي تفتقر للزخم حاليا في المعادن الثمينة وخاصة البلاتين، بينما لم يخترق النحاس بعد المستويات المقلقة للمضاربين من أصحاب عقود الشراء طويلة الأمد.كما واصلت أسعار المعادن الصناعية ارتفاعها الأسبوع الماضي، حيث دفع المتداولون في آسيا السلع الرئيسية من النحاس إلى الحديد الخام نحو أعلى مستوياتها منذ 7 سنوات، وقفزت أسعار الحديد الخام أكثر من 40 في المئة، بقيمة وصلت إلى 160 دولارا للطن الجمعة في سنغافورة، قبل ظهور بعض عمليات جني الأرباح. وجاء ذلك نتيجة جملة من توقعات انخفاض العرض من شركة فالي، أكبر منتج للحديد في العالم، بعد تراجع الشحنات في نوفمبر من البرازيل إلى أدنى مستوياتها في ستة أشهر، وقوة الطلب الصيني المدفوع بمحفزات البنية التحتية، ما أدى لانخفاض المخزونات وتزايد التكهنات بوقوع ارتفاع جنوني للأسعار.ووصلت أسعار النحاس عالي الجودة إلى 8000 دولار للطن تقريبا في بورصة لندن للمعادن، قبل ظهور عمليات جني الأرباح. وفي الوقت نفسه، وصلت تكلفة القطن إلى أعلى مستوياتها في 19 شهرا، بعد أن خفضت وزارة الزراعة الأميركية توقعات مخزوناتها العالمية، وتراجع الإنتاج عام 2020-2021 إلى أدنى مستوياته في 4 سنوات، وسط انخفاض الإنتاج في الهند وباكستان والولايات المتحدة.وقياسا بدور النحاس في تحديد مدى صحة الاقتصاد العالمي، لاسيما الاقتصاد الصيني، يمكن القول إن القطن يتمتع بالأهمية نفسها من جانب سلوكيات المستهلك، نظرا لاستخدامه في صناعة العديد من منتجات النسيج، وتسلط هذه التطورات الضوء على خطورة تحول ارتفاع تكاليف المدخلات إلى موضوع رئيسي عام 2021.وبالنسبة لموضوع ارتفاع تكاليف المدخلات، شهدنا خلال الشهرين الماضيين ارتفاعا كبيرا في تكلفة شحن الحاويات من الصين إلى بقية أنحاء العالم. وخلال المرحلة الأولى من الجائحة، دفعت المحفزات والمنح الحكومية في أوروبا والولايات المتحدة نحو تشكيل طفرة هائلة في الإنفاق الاستهلاكي، وانتقل قسم كبير من هذه المحفزات إلى الصين مقابل السلع الاستهلاكية، بينما كان الطلب من الصين ضعيفا نسبيا في نفس الأسواق.وأحدثت هذه التطورات اضطرابا في السوق، حيث تكتظ الموانئ حول العالم بالحاويات الفارغة التي ينبغي أن تعود إلى الصين. وفي النتيجة، ارتفعت تكلفة استئجار حاوية بقياس 40 قدما من شنغهاي إلى لوس أنجلوس بما يتخطى 4000 دولار، وإلى روتردام بما يتخطى 4500 دولار، وكلاهما من معدل متوسط لخمس سنوات بمقدار 1500 دولار. ويواصل النفط الخام ارتفاعه؛ حيث شهد الشهر الماضي ارتفاع خامي غرب تكساس الوسيط وبرنت بنحو الربع، وهما الخامان القياسيان العالميان، وعادت أسعار خام برنت هذا الأسبوع إلى 50 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ إعلان السعودية عن حرب الأسعار في توقيت غير مناسب في مطلع مارس. وخلال الأسبوع، ارتفعت مخزونات النفط الأميركية، وتباطأ الطلب على الوقود بشكل أكبر وسط جائحة خارجة عن السيطرة، ما يسلط الضوء على مدى استعداد السوق للنظر إلى ما وراء الأساسيات الضعيفة على المدى القريب نحو توقعات الانتعاش السريع المدفوع باللقاح، لاسيما في النصف الثاني من عام 2021.ونظرا لسلوك خام برنت منذ يونيو حول مستويات فيبوناتشي الفنية الرئيسية، من المنطقي أن نتوقع محاولة السوق للتماسك حول المستويات الحالية، وفيما قد تشهد أسعار أسهم شركات الطاقة ارتفاعا مدفوعا بتوقعات انتعاش مستقبلي في أسعار النفط وأرباحه، يحتاج سوق النفط إلى التوازن على أساس يومي تجنبا لتأثر الأسعار سلبا جراء تراكم المخزون، وفي ضوء الرياح المعاكسة الحالية الناجمة عن إجراءات الإغلاق الاحترازية حول العالم، تخاطر أسعار النفط حاليا بالتقدم كثيرا عما يمكن تبريره بالأساسيات الراهنة.وخلال الأسبوع الماضي، أصدر الفريق المتخصص بالاستراتيجية في ساكسو بنك 10 توقعات صارمة في عام 2021. وفي نسختها السنوية العشرين، تمنحنا التوقعات فرصة للتفكير خارج الصندوق، والتكهن بالأحداث أو التطورات التي سيؤدي تحققها إلى تأثيرات عميقة في الأسواق، ولا تعتبر هذه التوقعات تدريبا على مقاربة الواقع، وإنما محاولة لتحدي الأسلوب الذي نعتمده في النظر إلى الأسواق.وفي مقدمة توقعاته الصارمة، قال ستين جاكوبسن، الرئيس التنفيذي لشؤون الاستثمار لدى ساكسو بنك: «في توقعاتنا الصارمة لعام 2021، قررنا رسم الملامح المستقبلية بعيدا عن الانغماس في توجهات السوق وسياسات البنك المركزي، ويرجع ذلك للقفزة النوعية التي جلبتها جائحة كوفيد 19، ودورة الانتخابات الرئاسية المؤلمة في الولايات المتحدة، نحو المستقبل .
اقتصاد
انتعاش قوي للمعادن الصناعية والنفط في 2021
14-12-2020