الأنظمة الخليجية وإن انفتحت على معطيات العصر وأخذت ببعض مبادئ حقوق الإنسان ولبست ثوب الديمقراطية وتحدثت (من التحديث) واستوردت التقنية والنظم الحديثة إلا أنها في أعماقها تظل أسيرة لثقافة القبيلة، لا تستطيع التحرر من قبضتها، لأنها في النهاية "منتج سياسي" لثقافة القبيلة المبنية على موروث اجتماعي يرى "أفضلية الرجل على المرأة في العمل السياسي"، وهو موروث مستحكم في النفسية الجمعية الخليجية والعربية عامة، إذ مازال الرأي العام الخليجي مؤمناً بأن السياسة ليست مجالاً للمرأة، كما يردد الدعاة والوعاظ والخطباء حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، وما حصل في انتخابات أمة 2020 من إنتاج مجلس ذكوري لا مكان فيه لامرأة، يؤكد هذا الموروث الثقافي الاجتماعي.وجود العنصر النسائي في البرلمان، عامل ضروري لاستقامة الحياة السياسية، وإصلاحها، وتهذيبها، إذ لا ديمقراطية سليمة من غير المرأة، ووجودها في البرلمان، ولو تعييناً أو بنظام الكوتا، يحسن الأداء النوعي للنواب، ويرقى بلغة الخطاب، ويهذب السلوكيات، ويخفف حدة التأزم المفتعل. قارنوا أي تجمع رجالي يحضره عنصر نسائي بتجمع يفتقده، تجدون فارقاً نوعياً، مشاركة المرأة البرلمانية تذيب صخرة العناد السياسي وترفع مستوى الأداء.
يقرر القرآن الكريم "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، ولا يمكن تفعيل هذا التغيير إلا بمشاركة شاملة للجنسين، إذ لا تغيير، ونصف المجتمع غير ممثل في البرلمان، مغيب عن التشريع والرقابة وصنع القرار!لا يمكن للمرأة المهمشة سياسياً تنشئة جيل مؤمن بالقيم الديمقراطية، ووجودها في البرلمان، وفِي مراكز صنع القرار السياسي، ليس ترفاً أو مظهراً تجميلياً، فذلك ضرورة حيوية: - لمصلحة المجتمع أولاً: إذ كلما غيب المجتمع دور المرأة في الحياة العامة، وحال دون وصولها إلى البرلمان والمؤسسات التنفيذية والقضائية والثقافية، زاد انحراف المجتمع نحو التطرف والتشدد وفكر الكراهية والأوضاع البائسة. - ولمصلحة الرجل نفسه ثانياً: لأن المرأة في البرلمان خير سند وعون للإصلاح ومحاربة الفساد "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ". - ولمصلحة الأسرة ثالثاً: فالمرأة أقدر على التعبير عن مطالبها واحتياجاتها والتشريعات المتعلقة بالمرأة والأسرة والطفل، والدفاع عن الحقوق المتعلقة بهذه الفئات وبكل الجوانب الاجتماعية الأخرى.في ملتي: أنه لا يمكن لمجتمع أن يحقق تنمية مستدامة بتهميش المرأة سياسياً، وفِي تفسيري: أن الحضارة الإسلامية إنما تدهورت عندما همشت المرأة وعزلتها عن الحياة العامة.هذا الإرث الثقافي الاجتماعي المنتقص من كفاءة المرأة، ورثته مجتمعاتنا عبر التراث المنقول والتعليم الآحادي والخطاب الديني والبرامج الدينية والتنشئة الاجتماعية المبكرة، ليشكل في النهاية نظرة مجتمعاتنا للمرأة.تمكين المرأة الخليجية في البرلمان:نردد كثيراً "المرأة نصف المجتمع" شعاراً، لكننا لا نجد لهذا النصف وجودا عادلا في البرلمانات الخليجية، هلا تساءلنا: لماذا؟!الإجابة ببساطة: لأنها لا تجد "الفرص المتكافئة" التي يجدها الرجل، بسبب المعوقات الاجتماعية، فهل نستسلم لها ونترك المرأة تخوض معركة انتخابية غير متكافئة وحيدة؟! وما الحل؟إننا لن نعيد اختراع العجلة من جديد، لنتعلم من تجارب الذين سبقونا، لنأخذ من الديمقراطيات العريقة التي واجهت المشكل نفسه ووجدت له حلاً في "نظام الكوتا"، فالمعارضون يرونه غير دستوري وغير ديمقراطي، وعند بعض النساء (إهانة للمرأة وتشكيك في كفاءتها). معذورون، فالكوتا شرعة عالمية تأخذ بها (80) دولة، تختلف في تطبيقها وفِي تخصيص نسبها: السويد تخصص %46 لنسائها، الدنمارك %38، فنلندا %37 أقرتها الأمم المتحدة، وتخصيص نسبة مقاعد تتنافس عليها المرشحات ليس تشكيكاً في الكفاءة ولا إهانة أو مخالفة للدستور بل تفعيلاً للمبدأ الدستوري "تكافؤ الفرص"، وهو من التمييز الإيجابي المشروع، إذ لا يزال سجل النساء في البرلمانات العربية خجولاً مقارنة بالنسبة العالمية %15 طبقاً لعبدالله الشايجي. وللحديث بقية.*كاتب قطري
مقالات
الخليج وثقافة الديمقراطية (5) «المعوق الثقافي الاجتماعي»
14-12-2020