لا عزاء للإصلاح
الصرخة المدوية، التي عبّر عنها الكويتيون بصناديق الاقتراع، كانت بداية لتساقط رؤوس الفساد، فخسارة عدد ليس بقليل منهم مقاعدَهم البرلمانية كانت أول مسمار يتم دقّه في نعش مؤسسة الفساد، وستتوالى مساميرُ أخرى واحداً تلو الآخر، حتى يتم اقتلاع الفساد كاملاً، وهو يحتاج إلى مثابرة وجدية وإرادة حرة.ومواجهة الفساد أكثر إلحاحاً، ولها أسبقية على الإصلاح، فلا يمكن أن نصلح أمراً ونهدم أموراً، ونصلح مشروعاً ونفسد مشاريع، ونقدّم قانوناً ونخرق قوانين ونركن أخرى.فبداية الإصلاح الحق تكون بإغلاق منافذ الفساد وإقصاء شخصياته ومحاكمة رموزه، حينذاك، وفقط حينذاك، نشعر أن عجلة الإصلاح بدأت تدور، فلا يتجاور الهدم مع البناء، ولا يتعايش المصلح مع المفسد، ولا يمكن السير بمسارات التنفيع والمحسوبية، ويسير جنبها الحزم والرقابة والمحاسبة، ولا يصح النقيض ونقيضه، فتلك من بدهيات الأمور ومسلّماتها.
إن بداية الإصلاح تنبع من رغبة وإرادة حقيقية لدى السلطة، فهي المرجعية والنموذج، وهي التي يمكنها أن تسخّر كل إمكاناتها، وتضع لها اتجاهاً جبرياً وحيداً عنوانه "كويت بلا فساد"، فإن وُجدت الرغبة وأُنفذت الإرادة، فسيكون للكويت مسار حميد وصحيح نحو الإصلاح، ويكمل تلك البداية بطانة صالحة قادرة مخلصة أمينة، ليست متزلفة ولا ضعيفة ولا متمصلحة أو انتهازية، وشتّان بين الحالين. ثم تليها سلطة تنفيذية مؤهلة مخلصة وقوية ونزيهة، تملك إرادة ذاتية وقدرة على المبادرة والتغيير، ولا يكفي أن تكون موالية أو منفّذة بصورة تلقائية للتوجيهات، أو حسنة النوايا، بل ينبغي أن تكون مؤهلاتها ونزاهتها وبرنامجها وحُسن تدبيرها هو ما تركن إليه دون أن تعيش في ظل السلطة وتعلّق عملها على ما تستظل به وتوجيهاتها.وما لا مفرّ من وجوده والتسليم به أن تكون لدينا مؤسسة برلمانية ناضجة، تكون شريكاً حقيقياً في حمل المسؤولية والنهوض بواجبات الإرشاد التشريعي وتقديم الحلول القانونية بانضباط وحسّ وطني موزون، وتكون حاضنة للمجتمع بأطيافه ومكوناته واختلافاته، فلا تفرّط في البناء التشريعي الملحّ والحيوي من جهة، ولا تنساق للارتجال والتعجل من جهة أخرى، ولا تتأخر في ممارسة الرقابة الفعّالة التعقيبية العاجلة حيناً، ولا عن المتابعة الحثيثة الثاقبة أحياناً أخرى، ودون تفريط أو إفراط.ويأتي الدور المرتقب للقضاء، الذي يعوّل عليه دائماً أن يكون صمام الأمان، فلابدّ أن نرتقى به وبتأهيل أعضائه، وأن تتكرس فيهم قيم الحق والعدل والتجرد والموضوعية، فإن صلح هو وأعضاؤه ومرافقه، صار هو السد المنيع الذي تتحطم أمام محاربه مؤسسات الفساد، وتُلجم به السلطتان الأخريان حينما يراود أياً منهما انحراف عن الصراط السويّ في أداء مسؤوليات التنفيذ أو التشريع أو الرقابة أو تطبيق التكافؤ الإنساني والمجتمعي، أو التمرد على منطلقات الشفافية والمساواة والعدالة الاجتماعية والإنصاف وإحقاق الحق.إن الرغبة والإرادة ينبغي أن تكونا محور الانطلاق من قبل السلطة لترعى نهج التغيير الذي أثمرته الانتخابات، ومن ثمّ تعزز مكان المواطن وتحيطه بكل أسباب حفظ الاعتبار والكرامة والعيش الرغيد وإتاحة الفرصة للعطاء البنّاء، من خلال الأمل بأن رغباته وتمنياته التي عبّر عنها في صناديق الاقتراع ستكون ركيزة للتغيير الذي يواجه الفساد، إيذاناً ببدء الإصلاح، ولا تترك لأية سلطة مكنة الحياد عن منطلقات رغبة الإصلاح وإرادته، وحينها نسدل الستار على متواليات الفساد وبؤره، وتظهر بارقة الإصلاح، أو إن حدث عكس ذلك، فسنقول لا عزاء للإصلاح في الكويت.