في وقت سابق من هذا العام، وافق المشرعون والناخبون الروس على إدخال تعديلات على دستور البلاد من شأنها أن تسمح للرئيس فلاديمير بوتين بإعادة تعيين حدود فترة ولايته، وتمديد حكمه حتى عام 2036، وحتى إذا اختار ألا يمارس هذا الخيار، فإن القانون المقترح الذي من شأنه أن يوسع إلى حد كبير الحصانة الجنائية للرؤساء الروس السابقين سيحميه من الملاحقة القضائية. وتعطي التعديلات الدستورية الأخرى أسبقية للقانون الروسي على حساب القانون الدولي، وتُعرّف الزواج على أنه اتحاد بين رجل وامرأة، وتحمي الخطاب التاريخي الرسمي من التزييف.

ماذا تخبرنا هذه التغييرات عن حالة الدولة الروسية؟

Ad

إن البلدان تغير دساتيرها عندما تمر بتحولات اجتماعية وسياسية كبيرة، فعلى سبيل المثال، شهدت أوروبا ما بعد الحرب موجة من القوانين الأساسية الجديدة، مثل الدستور الفرنسي لعام 1946، ودستور ألمانيا الغربية لعام 1949 (Grundgesetz)، وأدت الاضطرابات السياسية التي حدثت بعد ذلك، مثل الأزمة الجزائرية، إلى وضع دستور فرنسي جديد، وإنشاء الجمهورية الخامسة في عام 1958. وفي سبعينيات القرن العشرين، وضعت اليونان، والبرتغال، وإسبانيا، دساتير جديدة بعد التخلص من الدكتاتوريات العسكرية.

وعزز دستور الاتحاد السوفياتي لعام 1936 تأسيس الشمولية الستالينية، وكان يشبه العمارة الستالينية، إذ كان الغرض منه أن يكون واجهة زخرفية خصبة، وكما قال عنه بوريس باسترناك في رواية دكتور زيفاجو، فقد كان دستوراً لم يصمَّم بغرض الاستخدام، ولكنه، كما في الحالات المذكورة أعلاه، كان يعكس التغييرات السياسية والاجتماعية الأخيرة، ويدونها.

وينطبق نفس الشيء على "دستور بريجنيف" لعام 1977 (الذي تمت صياغة النسخة الأولى منه في عام 1973)، على الرغم من أن نيكيتا خروتشوف كان يرغب في تسجيل نتائج حكمه في دستور، في أوائل الستينيات من القرن العشرين. كذلك، سجل دستور يلتسين لعام 1993 التغييرات الناجمة عن أزمة أكتوبر، وكان هذا الدستور- بمصطلحات لينينية بحتة- انعكاسًا لـ"الارتباط الحقيقي للقوى في الصراع الطبقي"، مع دعم الليبراليين ليلتسين، واستخدامه للقوة المسلحة لحل مجلس السوفيات الأعلى للاتحاد الروسي (الذي كان آنذاك هيئة برلمانية من نوع ما)، كما أنه جاء لتشكيل واقع الدولة الروسية، ولكن كون دستور عام 1993 أنشأ جمهورية رئاسية لا يعني أن النظام السياسي الروسي كان حتماً سيتجه نحو سياسة استبدادية.

ويصر البعض على أن المؤسسات السياسية المقترضة من الغرب لا تنجح في روسيا، ولكن بعد عام 1993، كان لروسيا برلمان حقيقي كان على الرئيس والحكومة أخذه بعين الاعتبار، وكانت تُجري انتخابات حقيقية أيضا، وفضلا عن ذلك، كان الشعب الروسي على كامل الاستعداد ليخوض تجربة الديمقراطية، كما أنه استفاد منها بطرق شتى، بما في ذلك من خلال ممارسة حرياته، وحقوقه الإنسانية والمدنية الجديدة بموجب الفصل 2 من الدستور.

ولكن بوتين حول بعد ذلك دستور يلتسين إلى مجرد واجهة، وساعده في هذا المحكمة الدستورية المسيّسة، التي ساهم رئيسها، فاليري زوركين الإيديولوجي البسيط، في الأساس شبه القانوني الذي بُني عليه تحول روسيا إلى دولة استبدادية، ولا تفسر الآلام التي تمخضت عنها الديمقراطية الروسية والرئاسية لدستور يلتسين سبب تطور نظام بوتين بهذه الطريقة، وتجاهله للأحكام الدستورية الرئيسة، بما في ذلك المادة 31 المتعلقة بالحق في التجمع (أحد الحقوق الدستورية التي غالبا ما تُنتهك اليوم).

ومن خلال تعديلاته الدستورية الأخيرة، أحيا بوتين ذكرى التغييرات السياسية والاقتصادية التي حدثت خلال فترة حكمه التي استمرت 20 عاما، مع توضيح آفاقه المستقبلية، وألغت إعادة تعيين فترة الرئاسة المبدأ الدستوري الأساسي لتداول السلطة، وحددت التعديلات الدستورية الأخرى الإطار الأيديولوجي لما أصبح الآن دولة استبدادية ناضجة.

ونتيجة لذلك، أصبح لروسيا الآن، في الإطار الرسمي لدستور واحد، قانونان أساسيان: بقايا يلتسين التي غرضها الزخرفة، بينما تُطبق الأحكام الأساسية لبوتين في الممارسة العملية.

وأبرزت استطلاعات الرأي التي أجرتها مجموعات التركيز اعتقادا بين بعض المواطنين الروس العاديين بأن دستور عام 1993 حُرر في الولايات المتحدة، وأن سيادة روسيا تتطلب دستورا سياديا، ولن يقوم عامة الشعب الروسي بقراءة وثيقة بوتين المعدلة. والنقطة المهمة هي أنهم يجب أن يناموا الآن بهدوء، وهم على علم أن شبه جزيرة القرم ليست وحدها روسية بل الدستور أيضا.

ولو أن المعارضة السياسية المحلية في روسيا اختارت حماية دستور عام 1993 ليكون شعارا لها في الصيف الماضي، لكانت تصرفت وفقاً للتقليد السوفياتي المنشق، الذي يدعو إلى الامتثال لدستور بوتيمكين، ولسوء الحظ، لم تأخذ المعارضة الدستور على محمل الجد أيضا، ومن ثم، تجاهلت ببساطة إساءة استخدام نظام بوتين للأسس القانونية للدولة الروسية.

ولا نزال أمام المعضلة الشهيرة التي أشار إليها كاتب القرن التاسع عشر، الروسي ميخائيل سالتيكوف ششرين، والتي تقول إنه إما أن يكون لديك دستور أو سمك الحفش مع الفجل (رمز الوفرة)، ولكن الدستورية الديمقراطية شرط ضروري للثروة الاقتصادية والمصلحة العامة، وإن غيابها في روسيا اليوم يعني عدم وجود ديمقراطية، وبالنسبة لمعظم الروس، تعني عدم وجود الكثير من السمك.

* أندريه كوليسنيكوف*

رئيس برنامج السياسات المحلية والمؤسسات السياسية الروسية في مركز كارنيغي في موسكو.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

بروجيكت سنديكيت