خبراء الشؤون الاستراتيجية يعتبرون أن أهم اختراق تحقق لإسرائيل ومن خلفها إرادة ترامب، من جراء عمليات التطبيع مع بلدان خليجية وعربية.. هو أن السلام يمكن إقامته بالقفز عن الموضوع الفلسطيني، وهذا ما نقرأه في كلام منسوب إلى البروفيسور "عوزي رابي" رئيس مركز دايان لدراسات الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب، ففي جميع اتفاقات التطبيع التي حصلت نالت كل دولة ما تريده دون أن يأخذ الفلسطينيون شبراً واحداً من أراضيهم، فكانوا بمثابة "الجسر" الذي تم العبور عليه!

بقيت هناك خاصية بيهود المغرب، قد تكون حالة لا تشبه أحداً من البلدان العربية التي وجدوا فيها، ومنذ اللحظة الأولى لإعلان التطبيع، كانت معظم التقارير التي تناولت تاريخ الجالية اليهودية في المغرب والعلاقات مع إسرائيل تتفق على القول إنها "مميزة" ولها ارتباط وجذور تعود إلى أكثر من ألفي سنة.

Ad

عدت إلى كتاب "يهود المغرب" والذي قدمه "أندريه أزولاي" مستشار الملك الحسن الثاني، وهو من أصول يهودية عاشت وأسرته وأجداده ردحا من الزمن هناك.

الكتاب عبارة عن رسالة دكتوراه لصاحبها "محمد كنبيب" قدمها في التسعينيات إلى جامعة السوربون وترجمت إلى اللغة العربية.

يقول أزولاي إن الكتاب يشكل جزءاً من سجل تاريخ المغرب و"تاريخ جماعته" وهو يمثل لقارئ يهودي مثله، متابع جيد للمرحلة "اليهودية– المغربية بين 1859 و1948 وتطور العلاقات بين المسلمين واليهود على امتداد تلك الحقبة.

ينظر مستشار الملك الحسن الثاني، إلى تلك العلاقات بأنها كانت واقعاً حياً منذ القرن الثامن عشر، تفاعلت مع بعضها وتضامنت ونجمت بانفتاح المغرب على أوروبا وإدماج المملكة في التيارات الجيوسياسية والتجارية الكبرى.

أدى اليهود دور "الوسطاء" في مرحلة ما قبل الاستعمار الأوروبي للمغرب، وإن ركزت تلك القوى في تنافسها على كسب الشرائح العليا من تلك الجالية وتدجينها، واستغلت مجموعات من اليهود تلك الاندفاعة، وجيرتها لصالح نفوذها وتحقيق أطماعها.

ساهم اليهود في الكفاح من أجل استقلال المغرب وإن عانوا مثل بقية المواطنين من آثار المجاعة الشديدة التي عرفتها البلاد خلال سنتي 1945– 1946، لكن حصلت هجرة جماعية فاقت الـ90 ألفا منهم بين 1948– 1956.

ومن بقي من يهود المغرب وهم بالآلاف تمتعوا بحقوق مدنية كاملة ودينامية خاصة وتماسك استفاد منها غالبية أعضاء الجالية، ومن ظروف اجتماعية حسنة، وارتقى بعضهم إلى مناصب عليا، وما حصل من تطورات سياسية ومن تغييرات على الأرض الفلسطينية، لم تمنع اليهود من الارتباط القوي بهويتهم المغربية، وكان "الولاء" الذي يتمتعون به يسمح لهم بالعودة إلى "وطنهم" بقصد "الحج" أو لأسباب عائلية أخرى.

الحضور اليهودي في المغرب يضرب في أعماق التاريخ، فبلاد المغرب تعد الجزء المقابل للأندلس، وتذكر الأحداث التاريخية أنه بعد فتح الأندلس، ضم طارق بن زياد اليهود إلى طليطلة حتى فتحها.. وفي قرطبة حي من أحيائها كان يسمى "باب اليهود" حتى قيل إن مدينة "سبتة" المتنازع عليها بين المغرب وإسبانيا، سميت بهذا الاسم تعبيراً عن التزام اليهود بفريضة السبت، وأقرب مثال على هذا الحضور قصة مدينة فاس مع اليهود، فهي كانت أكثر بلاد المغرب يهوداً، ومنها خرجوا إلى جميع الآفاق، وكان التسامح الديني سائداً بين الأديان الثلاثة في المغرب والأندلس، لكن وتيرة التعصب تصاعدت وارتفعت بعدما مثلت الأندلس روح حضارة الإسلام. وسمح لليهود أثناءها، بأداء شعائرهم الدينية وإبداء أفكارهم، وبناء معابدهم وكانت لهم محاكم قضائية خاصة بهم، ولهم نشاطهم العلمي والأدبي.

تاريخياً شكلت منطقة المغرب العربي، الحديقة الخلفية للجاليات اليهودية التي عاشت فيها دون حصول "صدامات دينية" بل كانوا إلى حد كبير جزءاً من الأقليات التي عرفتها تلك الدول الإسلامية، إلى أن رمى الاستعمار الأوروبي "عقدته التاريخية" في أرض فلسطين وكانت إقامة دول إسرائيل بمثابة "جائزة الترضية" لليهود نتيجة ما عانوه على أياديهم.

لقد تعرضت الجاليات اليهودية في العالم العربي إلى حملات تهجير، على يد "الحركة الصهيونية" والتي عانت تدميراً وإرهاباً في أماكن تجمعاتهم العربية، منذ أربعينيات القرن الماضي، بهدف "جمع الشتات" وتسفيرهم إلى "أرض الميعاد" وإظهار العرب بصورة مغايرة تماماً للواقع الذي كانوا يعيشون فيه، وقد نجحوا بذلك فعلياً ليعاد اليوم تسليط الضوء على تلك التجمعات، ومنها يهود المغرب.

حمزة عليان