مستقبل ترامب السياسي يتوقف على استعداده لتغيير نفسه!
ما لم تحصل معجزة من صنع المحكمة العليا، يبدو أن عهد ترامب يتجه إلى نهايته، فعلى غرار ما يحصل مع أي كوميدي موهوب أو بهلوان في السيرك، لن يتمكن معظم الناس من التغاضي عن أداء ترامب الممتع والترفيهي وتقييم إنجازاته الحقيقية إلا بعد اختفائه من الساحة، وخلال شهرين تقريباً سيزيد التركيز على تقييم سجله مقابل تلاشي مواقفه المحرجة من ذاكرة الناس.كان ريتشارد نيكسون من أكثر الرؤساء براعة ونجاحاً في تاريخ الولايات المتحدة، لكنه لا يزال عالقاً في مستنقع النفاق الذي حبسته فيه وسائل الإعلام، وفي المقابل يحافظ باراك أوباما على تألقه لأنه اعتُبِر تجسيداً لبقاً لرفض العنصرية في الولايات المتحدة وتأييد المساواة بين جميع الناس، لكن أوباما كان فعلياً رئيساً أقل من المستوى المطلوب وتقتصر إنجازاته على طرح قانون الرعاية الصحية "أوباما كير"، والأجندة البيئية الديمقراطية الاستبدادية (مجرّد سخافة)، والاتفاق النووي الإيراني (كارثة حقيقية!).في المقابل، تبدو الإنجازات التي حققها ترامب خلال عهده الرئاسي واضحة ومن المتوقع أن تصبح راسخة في الذاكرة الوطنية سريعاً وأن تطغى على السخافات التي أحاط نفسه بها.
لم يحقق ترامب، كما يدّعي، إنجازات بارزة لصالح الأميركيين من أصل إفريقي بقدر أبراهام لينكولن مثلاً أو حتى ليندون جونسون، لكنه بذل جهوداً كبرى لتحسين ظروفهم الاقتصادية، وتشكّل الادعاءات المتواصلة حول عنصريته، بما في ذلك مزاعم فريق أوباما، جزءاً من حملة تشهير مخزية يسهل دحضها عند رصد الزيادة الملحوظة في نسبة الدعم التي تلقاها ترامب من الأميركيين من أصل إفريقي في الشهر الماضي.على صعيد آخر، لم يفز ترامب بالانتخابات عبر حصد ملايين الأصوات كما يدّعي، فمن المعروف أن منافسيه الأساسيين تفوقوا عليه في التصويت الشعبي في الاستحقاقَين الانتخابيَين الأخيرَين، لكن من الواضح أيضاً أن طريقة جمع أوراق الاقتراع وعمليات الغش المزعومة في الولايات التي يحكمها الحزب الديمقراطي، على غرار ميشيغان ونيفادا وبنسلفانيا وويسكونسن، أنتجت انتخابات شائبة، حيث يعترف 70% من الجمهوريين وربع الديمقراطيين تقريباً بهذا الواقع، ورغم المطالبات القانونية المبالغ فيها من المحامية سيدني باول ومشاركة رودي جولياني بعدد كبير من الدعاوى القضائية حيث يتجاوز الحل المطلوب الأدلة التي تثبت التزوير، تبرز مؤشرات كافية وواضحة لتبرير ادعاء ترامب بأنه تعرّض للخداع، مع أن الفصل بين أوراق الاقتراع "المزوّرة" والحقيقية أمر مستحيل ولا يمكن التأكد أيضاً من نزاهة العملية الانتخابية في عدد كبير من الحالات. تثبت هذه المعطيات كلها أن عهد بايدن كان سيصبح أكثر سلاسة بكثير لو أن الرئيس المنتهية ولايته غيّر مقاربته وكان أكثر لطفاً وأقل عدائية، لكن ترامب فاز في معركته ضد وسائل الإعلام في مطلق الأحوال. لقد كان رئيساً ناجحاً ودفع وسائل الإعلام إلى شن حملات تضليل استبدادية بطريقة هوسية وغير مبررة. تنتفض الأوساط الإعلامية اليوم وتثير ضجة كبرى للاحتفال بهذا الفوز الذي تنسبه إليها، لكن لا يصدّق أميركي واحد من كل ثمانية كلمة واحدة تقولها أو تنشرها. بعبارة أخرى، أصبحت وسائل الإعلام مكروهة من نصف البلد الذي يؤيد ترامب، إلا في حالات نادرة جداً، ويُعتبر الإعلام أداة مفيدة لكن يطغى عليه متزلفون وأغبياء يفتقرون إلى الأخلاق ويشكلون جزءاً من التحالف الكاره لترامب، وهو المعسكر الذي سيحكم البلد قريباً. يتوقف أي مستقبل سياسي محتمل لترامب على سلوكه الشخصي، فإذا أراد أن ينسحب من الساحة السياسية الآن، يمكنه أن يفعل ذلك بطريقة مشرّفة تضمن أن يترك بصمة إيجابية في تاريخ البلد، ومن الواضح أن الرئيس المُنتخب لا يتمتع بالمكانة أو القوة اللازمة لاستلام هذا المنصب الشائك، ولا أحد يدّعي ذلك أصلاً، وفي النهاية يبقى الحزب الديمقراطي مجرّد تكتّل مضطرب وانتهازي يجمع بين الفاسدين وعصابات المدن وأسوأ العناصر الأكاديمية التخريبية. لقد اخترق ترامب معاقل الديمقراطيين في أوساط الأميركيين من أصل إفريقي والأميركيين اللاتينيين، وإذا أصبح أكثر استحقاقاً لمكانته الرئاسية، وبات أكثر براعة في تحديد طبيعة تغريداته وتوقيتها، وامتنع عن مهاجمة الناس بالشكل الذي كان يفعله طوال السنوات الأربع الماضية، وتحلى بالصبر والهدوء من وقتٍ لآخر، يمكنه أن يحظى بمستقبل سياسي لامع، فلا أحد ينافسه اليوم على زعامة الحزب الجمهوري، وبعد انتهاء عهد جو بايدن وكامالا هاريس خلال أربع سنوات، سيصبح الديمقراطيون الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للهجوم. باختصار سيكون ترامب، رغم احتفالات أعدائه اليوم، مهندس العقد السياسي المقبل في الولايات المتحدة.* كونراد بلاك *