أكاديميون ومثقفون: لغتنا العربية تعاني الإهمال

أطلقوا صرختهم تزامناً مع الاحتفال بيومها العالمي الذي أقرته الأمم المتحدة

نشر في 18-12-2020
آخر تحديث 18-12-2020 | 00:14
تعد اللغة العربية من أسمى اللغات وأجملها، فهي لغة "الضاد"، وأفصح اللغات وأكثرها بياناً على مر العصور، وهي من أهم مقومات الهوية العربية، حيث عملت، فترة طويلة، على نقل تاريخ وثقافة الحضارات العربية عبر الزمن، ويصادف اليوم احتفالية "اليوم العالمي للغة العربية" من كل سنة بشهر ديسمبر، حيث تقرر الاحتفال باللغة العربية في هذا التاريخ، لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في ديسمبر 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية، ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة... "الجريدة" حاورت أساتذة ومثقفين تطرقوا في حديثهم إلى وضع اللغة العربية الحالي، وأهميتها، وسبل المحافظة عليها... وفيما يلي التفاصيل:

استهل د. سليمان الشطي حديثه قائلا: "اللغة العربية تستحق منا الكثير، ومع الأسف نحن نعطيها القليل القليل، بل نحن نتهاون حتى في هذا القليل الذي لا يكاد يذكر، إذا نظرنا إلى الواجب المطلوب منا إزاء هذه اللغة، فإننا لابد أن نهتم بها كما اهتمت الأمم الأخرى بلغاتهم. هل للغة العربية التي نعرفها ونتحدث عنها وجود في حياتنا المعاصرة؟ هل ينطبق اهتمامنا بها على حضور جيد لها في حياتنا؟ الجواب قد يكون فيه نوع من الصدمة، فالواقع العملي لهذه اللغة العظيمة يدل على أنها لغة يتيمة الأب بين أهلها".

وأضاف د. الشطي "ما معنى أن تكون يتيمة، فكل اللغات العالمية لها آباء، لها حراس يحمونها، ويطورونها، يكتبون عنها، ولكن نحن لا نجد هذا العمل المضني لصالح اللغة، فعندما ننظر إلى اللغة الإنكليزية نلاحظ أنها موجودة في كل جهات العالم، وإذا نظرنا إلى اللغة الفرنسية وجدنا أن الفرنسيين وراءها في كل مكان، بل إن اللغة العبرية لها قصة، وهي لغة ميتة ليس لها وجود عملي، وكانت لغة مندثرة، أعادوها ووضعوها في سطح الاهتمام، وهكذا تكون اللغة العربية قد تم تنحيتها لصالح اللغات الأخرى في حياتنا، مثلا ننظر للغة الإنكليزية في منطقتنا بالمشرق العربي وفي الخليج العربي، فاللغة الإنكليزية هي السائدة، وبالنسبة للبنان وشمال افريقيا اللغة الفرنسية هي السائدة".

وتابع "اللغة العربية تختفي حتى من استعمالها اليومي مع الأسف الشديد، فالفاتورة، وقائمة الطعام باللغة الإنكليزية، وأسماء المحلات و"المولات" بالإنكليزية، حتى الحلاق يسمى نفسه بأسماء أجنبية، ما المانع أن يسمي نفسه "حلاق ابن سينا"، إذا أراد، وتسرب الاستخدام اليومي مع الأسف في داخل البيوت. إنه غزو لغوي يقابله تهاون من جانبنا، بل إن بعضهم يفرح أن أبناءهم ينطق الإنكليزية أو الفرنسية أو غيرها. بينما اللغات الأخرى أو الأمم الأخرى إذا نطقت بلغة غير لغتهم حدث اشمئزاز أو إجبار على أن تستخدم لغتهم، فأمم تحتج بلغتها لا يسمحون لغيرها أن يزاحمهم.

وتساءل د. الشطي عن كيفية مواجهة هذا الجانب ليقول "اللغة العربية لغة القرآن، ومعترف بها كلغة رصينة، وقوية وباقية، اللغة العربية من اللغات التي يتنبأ أنها إحدى اللغات التي ستستمر، وتظل قائمة، إذن لما نهجر وندير أظهرنا لهذه اللغة العظيمة، والمخرج واضح لا يحتاج إلى نقاش، وإلى كلام كثير، نحن لدينا تطبيق لدساتير العربية، فهي تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، فلا يحق لأحد أن يقدم لك فاتورة بلغة غير اللغة العربية، ولا يجوز لأحد أن يسمي اسماً غير الأسماء العالمية على المحلات وغيرها بغير هذه اللغة، لكن أن ننحي لغتنا الرسمية، فلا يجب ذلك، والدساتير تنص على هذا، فقط علينا أن ننظر إلى هذه اللغة الكريمة التي تستحق منا الكثير، وهي الآن قائمة بنفسها ليس بفضلنا، بل بفضل اللغة العربية ذاتها واتصالها بالقرآن الكريم، وقيمتها الذاتية هي التي جعلتها تبقى وتكون إحدى اللغات المنطوق بها في الأمم المتحدة، ولكننا نحن لم نعمل، لأن هذه اللغة يتيمة، فاللغة الفرنسية فرنسا وراءها، واللغة الإنكليزية أميركا وإنكلترا وراءها، اللغة الفارسية الأمة الإيرانية وراءها. وتساءل د. الشطي من وراء اللغة العربية؟ دول عربية متفرقة كل واحدة تلقي العبء على الأخرى مع أن هذه لغة الأمة. وختم بقوله "أتمنى من جامعة الدول العربية أن تفرد همها لهذه اللغة، وتترك السياسة، فهذه اللغة توحد الأمة وتنطلق بها إلى الأمام".

لغة حية

من جانبه، قال الأمين العام لرابطـــــــــة "الأدباء" الكويتييـــن د. خالد رمضان: "من حق اللغة العربية على العالم أن تحظى بالاهتمام الذي يليق بها، فهي لغة ٤٥٠ مليون إنسان، كما أنها لغة العبادة لما يقارب مليوني مسلم، ويكفيها فخراً أنها الوعاء الذي حفظ التراث الإنساني في مختلف العلوم إبان الحضارة العربية الإسلامية، ومن ثم نقلت إلى العالم الغربي لتكون النواة والمحرك للتطور العالمي في مختلف مناحي الحياة، ولا عجب أن تقوم اللغة العربية بمثل هذه المهمة، فهي لغة حية غنية كرمها الله عز وجل بأن تكون لغة آخر كتبه السماوية إلى البشرية جمعاء".

يوم معين

بدوره، قال رئيس قسم اللغة العربية في كلية التربية الأساسية، بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والــــــتـــدريب د. جلال آل رشيد: "فكرة الاهتمام بتخصيص يوم معين في السنة لتفكر ومناقشة شؤون اللغة العربية جيدة، لكونها تعطينا مجالا متجددا كل سنة للتفكير في شؤون اللغة العربية وواقعها. وفي هذا الإطار فإن لغتنا لا تحتاج إلى شهادة من أحد سواء كان ابنا لها، أو من مجتمع آخر، لأنها من أعظم اللغات على الأرض. وأضـــــاف د. آل رشيد: "ولكن المشكلة هي وضع اللغة العربية في واقعنا الحالي، وبإمكاننا أن نعالج الأمر بمعالجة واقعنا في الأساس، بمعنى أن نهتم على سبيل بكتابة بحوثنا في الفصحى، وفرض الفصحى بشكل كامل على جميع المؤسسات والشركات الخاصة في الدول العربية، لأن الممارسة هي التي تخلق حالة التطور، لأن تلك الممارسة ستجعلنا نمارس الكلام ووضع المصطلحات باللغة العربية، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى حصول حالة التقدم في الحالة اللغوية العامة. وكذلك مسألة البحث العلمي وضرورة أن يبذل المجتمع العلمي جهده في كتابة بحوثه باللغة العربية وعن اللغة العربية، وعن الآداب العربية، مساهمة منا في دفع الدفة إلى الأمام".

وبين د. آل رشيد أن الأمم الأخرى تهتم بتعليم الأطفال لغتها الأم عبر جعل برامج الأطفال كافة ناطقة بلغتهم الفصحى في تلك الأمم، وهذه مسألة ضرورة وقد كانت هنالك منذ ثلاثين أو أربعين عاما برامج تهتم بهذه المسألة، وتجعل الطفل يمارس اللغة العربية في جو من المرح واللعب مثل برنامج " افتح يا سمسم".

لغة عظيمة

أما د. عبدالعزيز سفر فقال: "بمناسبة الاحتفال بيوم اللغة العربية، أقول إن اللغة العربية هي لغة عظيمة، وليس تعصبا، لكن هذه هي الحقيقة، فاللغة العربية كما وردت حتى قبل نزول القرآن الكريم، لغة جاء فيها الحقيقة والمجاز، وجاز فيها التوسع في الحديث، وجاز فيها الإيجاز، كما جاز فيها الإطناب، وتلك المسائل درست حتى في رسائل علمية كثيرة".

وأضاف د. سفر أن اللغة العربية كما اتضح له من اتصاله الشديد بقواعدها نحوا وصرفا، بها مسائل لم يكن يتصور أنها تذكر عند العرب من مثل قضية النحت، عرف عند العرب مثل أخذ عبشمي من "عبد شمس"، وتصغير حضرموت والنسب إليه "حضرمي"، مؤكدا أن اللغة العربية شمولية.

وتابع د. سفر: "اللغة العربية حري بنا أن نحتفى بها، وأطمئن الكل بأن سر بقائها في قوتها، وارتباطها بالقرآن الكريم، وأقول هذا عن يقين وليس دافعا، فلدي بحث بعنوان "العلاقة بين الشواهد النحوية"، اتضح لي أن هناك علاقة قوية بين الشعر العربي، وكلام العرب، وبين ما ورد في القرآن الكريم، فهناك شواهد متكاملة، وهناك شواهد لم ترد إلا في القرآن الكريم. فاللغة العربية أحييها تحية عظيمة في هذه المناسبة الكريمة، وسر بقائها، وأقول هذا الكلام وأنا مطمئن هو ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم.

● فضة المعيلي

لغتنا العربية يتيمة بين أهلها ... الشطي
back to top