أولاً وأخيراً: إخلاص النوايا
من جديد تثبت الكويت أنها تمتلك تجربة ديمقراطية رائدة في المنطقة، فبعد أن قدمت صورة حضارية للانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 5 ديسبمر الحالي وتمت بنجاح وشفافية ونزاهة أشاد بها القاصي والداني جاء التصويت على اختيار رئيس مجلس الأمة وباقي المناصب بشكل علني وأمام شاشات التلفزة لتصدر الكويت للعالم كله مشهداً مبهراً يكسبها المزيد من الاحترام والتقدير والتأكيد على أنها صاحبة تاريخ عريق في العمل النيابي ونموذج يحتذى به. وإذا كانت الكويت قد خرجت بمكاسب كبيرة من انتخابات "أمة 2020" سواء أثناء تصويت المواطنين لاختيار ممثليهم أو تصويت النواب لاختيار رئيس المجلس فإن هناك خسائر حلت بنواب المعارضة الذين شكلوا تكتلاً كبيراً وعقدوا ثلاثة اجتماعات قبل انطلاق جلسات مجلس الأمة رسمياً اتفقوا فيها على اختيار النائب بدر الحميدي رئيساً للمجلس، وحددوا الأولويات في المرحلة المقبلة فيما يخص قوانين العفو الشامل والحريات والجنسية والبدون، وهي مطالب شعبية، ولكن ما حدث في جلسة التصويت على منصب رئيس المجلس واختيار مرزوق الغانم أثار العديد من علامات الاستفهام حول جدوى هذه الاجتماعات التي عقدها النواب ومدى التزامهم بالوعود التي قطعوها على أنفسهم، ولماذا غرد بعضهم خارج السرب، وما دوافعهم، وهل ما حدث مؤشر على تصدع هذا التكتل النيابي أم أنه سيضمد جراحه ويعود أكثر قوة؟ ورغم وجود حالة من الغضب لدى المعارضة ومن يؤيدها في الشارع مما حدث من قبل بعض النواب الذين لم يوفوا بوعودهم ومن الحكومة التي لم تساندهم وتدعم اختياراتهم فإن هذا يجب ألا يكون سبباً في التأزيم أو عدم التعاون، فالمناصب ليست هدفاً أو غاية في حد ذاتها إنما هي وسيلة للتنظيم والترتيب والتوجيه والقيادة، والمسؤولية الوطنية تحتم على الجميع أن يقفوا صفاً واحداً في ظل هذه المرحلة الفارقة التي تمر بها البلاد والمنطقة كلها، وأن يكون النواب والوزراء بمختلف انتماءاتهم على قلب رجل واحد، ويعملوا من أجل مصلحة الكويت وإعلاء شأنها، وكما قال صاحب السمو أمير البلاد في نطقه السامي "لم يعد هناك وقت للصراعات وتصفية الحسابات وافتعال الأزمات"، وليدرك الجميع أن المواطن تعب من المناكفات والتصادم وتعطيل التنمية، ولديه معاناة وهموم ومشاكل كثيرة ينتظر حلها ورد الجميل له من قبل من اختارهم ليمثلوه ويحققوا مطالبه.إن الكويت بين مفترق طرق، وتحتاج من الجميع إلى العمل المخلص والجاد وتجاوز الخلافات والصراعات الشخصية، وتحتاج بصفة خاصة من النواب والحكومة إلى مد يد التعاون والبعد عن التصعيد السياسي والإسراع في إقرار القوانين والمقترحات التي تهم الشعب وإنجاز المشروعات التي تحقق التنمية والازدهار، وهذا ليس بالأمر الصعب، ويمكن تحقيقه إذا خلصت النوايا وتم تغليب لغة العقل والحكمة على لغة التصعيد والانتقام، ونحن متفائلون بالمرحلة المقبلة، ونأمل أن تشهد تحقيق ما يتمناه المواطنون ويرفع من شأن الوطن الذي يستحق منا الكثير.
والله الموفق والمستعان.