قد ينجح التلفزيون بنقل حدث أو مناسبة وطنية عامة، ويسجل أعلى نسبة مشاهدة، كما حصل يوم انتخاب رئيس مجلس الأمة الجديد (15 ديسمبر 2020)، لكن المسألة أبعد من ذلك، فوزارة الإعلام، باتت تضاف إلى قائمة "الوزارات السيادية" بالدولة، أو هكذا ينظر إليها، وإن كانت الثورة الرقمية غيرت المشهد تماماً، بل هناك من لم يعد يجد مبرراً لوجود وزارة اسمها "وزارة الإعلام" على غرار ما فعلته جمهورية مصر العربية، وسلطنة عمان، ودولة قطر، بإلغائها الوزارة واستبدالها "بهيئة"، يكفي أن تتولى الشؤون الإعلامية ذات العلاقة بالحكومة وبالدولة، وتتوزع باقي الإدارات على القطاع الخاص. في هذه المناسبة كان وزير الإعلام "الزميل" أنس الرشيد أول وزير يفتح هذا الصندوق، ويقدم مشروع "تفكيك" الإدارات وإسناد عدد كبير منها إلى القطاع الخاص، لكنه لم يعط الفرصة بذلك.
في تاريخ الحكومات الكويتية تعاقب على "الإعلام" 25 وزيراً (هناك وزراء تولوا الحقيبة أكثر من مرة) منذ تشكيل أول وزارة بعد الاستقلال في يناير 1962، وكان اسمها وزارة "الإرشاد والأنباء". ثمة حاجة للقول إنه بعد "ثورات الربيع العربي" والثورات في عالم التكنولوجيا، فإن مسميات وزارات الإعلام شارفت على الانتهاء، فوجود هيئات أو مؤسسات إعلامية تحل محلها أصبح أمراً واقعاً وملحاً، ومع وجود إعلام متخصص و"الأخوات الخمس" في عالم التواصل الاجتماعي، بات الإعلام التقليدي عاجزاً عن مواكبة التطور السريع والمذهل الذي لحق به، وهذا ما استشعر به الشيخ محمد العبدالله المبارك الصباح عندما تولى الوزارة، وجاهر بآرائه في حينه. في فترة ما قبل التسعينيات كان شخص الوزير هو المحور، فبقدر ما يتمتع به من مواصفات قيادية ورؤية مستقبلية لدور الإعلام ومن صلاحيات نافذة، بقدر ما يتوقف نجاح الإعلام عليه، وهناك وزراء اختيروا لهذا المنصب، تركوا بصمات واضحة ومؤثرة، ما زالوا إلى اليوم حديث رجالات السياسة والإعلاميين، فعندما يتم استحضار اسم المرحوم الشيخ جابر العلي الصباح، يتوقف المرء أمامه ليرى الإعلام في عصره الذهبي، ربما لطول الفترة التي تولى فيها الوزارة، وهي أحد العوامل المهمة بإعطائه الوقت الكافي لتنفيذ أفكاره ومشاريعه على أرض الواقع، لكن في النهاية، الشخصية صنعت من الإعلام أذرعاً ممتدة في معظم مناحي تاريخ الكويت الثقافي والإعلامي والفني. هذا لا يعني أن الآخرين من الوزراء الذين جاؤوا من بعده لم يفعلوا شيئاً بل كانوا على قدر المسؤولية لكن الموضوع من أساسه طرأ عليه تبديل وتغيير فلم يعد الشخص هو الصانع للإعلام، فاليوم غابت الأسماء المبهرة والشهيرة عن المشهد وحلت مكانها، "المحطة"، فعلى سبيل المثال، لم يعد "الوزير" بشخصه هو القضية، بل يشيرون إلى تلفزيون "فوكس نيوز" أو "الجزيرة" أو "سي. إن. إن"، على سبيل المثال، وهؤلاء هم الذين يملؤون الساحات الإعلامية، إلى جانب مواكبة وسائل التواصل الاجتماعي وتقديمها بصورة حيوية وفاعلة. في الستينيات كانت وزارة الإعلام من أولى الوزارات التي دخلت بالتشكيلات الحكومية، قبل أن تأخذ وزارة النفط في بلد نفطي مسمى "وزارة النفط". نحن بتنا في عصر مختلف تماماً بأدواته وبالعقلية التي تديره، الإعلام يحتاج حقيقة إلى تغيير جذري بالعقلية والمحتوى والإدارة، فثورة الديجيتال وفي عصر الاتصالات الحديثة أزاحت من الواجهة عصر "الرموز" في الإعلام، أي الشخص الواحد الذي كان بمثابة "البوصلة" للنظام أو الدولة وللمرحلة التي يمثلها، فقد غاب "غوبلز" ومعه "يونس بحري" و"أحمد سعيد" و"محمد سعيد الصحاف" وغيرهم الكثيرين، وجاء من بعدهم المنصات الإلكترونية والمحطات التلفزيونية وأوعية جديدة تحمل "عدة الإعلام" لم تكن تخطر على بال أحد من المفكرين والمخططين وشاغلي المناصب القيادية.
مقالات
«الأخوات الخمس» يغيرن وجهة «الإعلام»
20-12-2020