• سيرتك الذاتية ترسم لوحة إبداعية لشاعرة وقاصة وروائية وناقدة، أين أنت في هذه الرحلة؟

Ad

- كل إنسان يستطيع أن ينتقد ما يتلقاه سمعه أو بصره بالسلب أو بالإيجاب، أي أن الإنسان بفطرته ناقد لما يلتقط، بالنسبة لي أميل كثيراً إلى فحص الشيء قبل تناوله، ودراستي الجامعية زكتْ هذه الملَكة، وأعطتها متسعاً من القراءات والاطلاع، ولستُ بناقدة، إنما تستهويني الدراسات النقدية ومستجداتها، فالساحة مليئة بالنقاد الأكاديميين الذين يحرصون على تضمين المصطلحات الأكاديمية، والمسميات التي تعنى بالشكل أكثر من المضمون، مما يجعل بعض القراءات استعراضية بقصد الفرجة لا الفائدة"مع تحيتي لأساتذتنا النقاد المخلصين على ندرتهم، البعيدين عن المتاجرة بذمة الأدب، والجري وراء المصالح الذاتية.

• ماذا أخذت منك هذه التجربة وماذا أعطتك؟

- أعطتني الحرية والثقة في النفس والشعور بالامتلاء وتحقيق الذات، أشعر وأنا أكتب أنني أملك العالم، خصوصا في التجربة الروائية، وفي الشعر أتحرر من كل القيود وأتلذذ بكسرها، وأنا أحلق خارج ذاتي، في سفر شاعري إلى اللامكان، فكل الأمكنة تنصهر تحت جذوة قلمي.

أما ما أخذته مني رحلة الكتابة، فقد أخذت سنوات من عمري، وأربكت توازني داخل نظام أسرتي الصغيرة، فحين أختلي بالكتابة فإنني أنسلخ تماما ممن حولي، فأتنكر لوجودهم، وهذا يُشعرهم بالإقصاء.

إعادة ترتيب

• تنوعت أعمالك بين القصة القصيرة والشعر والرواية، فهل استطاعت أن تجيب عن أسئلتك العصيبة؟

- تعددت الكتابة والوجع واحد، الأسئلة في تزايد والأجوبة تتغير، فدائما هناك عطش للمعرفة، لا يُروى أبدا مهما توسعنا في القراءة أو الكتابة، فحين أكتب القصة، أصنع مجسما صغيرا للمجتمع أو العالم، وأحاول إعادة ترتيبه، بعد كشف فوضاه العارمة ونقاط ضعفه، وحين أكتب الشعر، أجدني ممتلئة بمشاعر فرح أو حزن أو غضب، بتواطؤ معلَن مع جنوني، ليندلق الحبر متماهيا مع هذا الجنون، غازلا كلمات تهيم بي، بسحر مختلف.

الرواية أم الأدب

• بدأ مشوارك مع "الجرعة الأخيرة" وحتى الآن لاتزالين حائرة بين الرواية والأدب؟

- نعم الرواية أم الأدب أو كما أقول جامعة الأدب والفن، إذ تتمازج فيها الجملة الشعرية بالجملة السردية، والمقالة بالنقد، والمسرح بالرسم، والخبر، وأشياء أخرى، تمازجا فنيا نلمسه كقراء (دون تقعير في المصطلح)، فالرواية تزجّ بالمتلقّي في منظومة تأثيث النسيج السردي، بخلق تشنجات، وانفعالات تأخذ نَفَسَه ولُبّه إلى آخر قطرة حبرٍ من الرواية، لاهثاً متربصا، مع تذويب الحاجز الذي يصنعه الكاتب بينه والقارئ، شأنه شأن الشاعر، وكاتب المقالة، أو الصنوف الأدبية الأخرى، ويتأتى ذلك عن دراية بمجال السرد، وذكاء مفعَمٍ بالخبرة، والحِرفية التي تنبري في تضمين الدقة في التصوير، والتوصيف، والإنارة، والإثارة برَجّ المشاعر، وتأليبها، وكأننا في قاعة سينما أو أمام خشبة مسرح كبير، حيث تأخذنا إلى عوالِم متعددة الأوجه والأنماط.

سعديات والمطر

• في ديوان "حبات مطر" عمدت إلى توظيف تقنية طريفة في ترتيب قصائد الديوان، إذ جعلت كل قصيدة تنتهي بقطعة شعرية باسم "سعديات"... لماذا هذا العنوان؟

- العنوان هو نص ثان يضمر ما في المتن، بانتظار قارئ حذِق، يصل بين العنوان وبين الثيمات المؤثثة للنص، ويفك شفرة المُضمَر. هو العتبة التي تلقي بالقارئ في خضم التصور والتأثيث القبلي، لذا يتطلب العنوان من الكاتب مهارةً ودربة كبيرين، فعناوين قصائدي أصوغها على هذا المنوال، و"سعديات" هي اقتباسات ترتبط ثيماتيكيا بالنص الرئيسي الذي قبلها كتكملة جمالية بنسق فني يختلف تكنيكيا عن القصيدة الأم.

• حصدت تكريمات عدة بالمغرب وخارجها، فما الذي أضافته لك؟

- كل اعتراف بالجهود هو تكريم يرفع صاحبه، ويضيف إليه الكثير من الميزات التي تشعره بالفخر، ومن هنا أشكر المنابر الإعلامية التي واكبت قلمي منذ سنوات، الورقية منها والإلكترونية، سواء في الداخل أو الخارج، ولكل من ساند واقتنع وآمن بقلمي أقول شكرا كثيرا، فقد منحني هذا الاهتمام الكثير من الثقة، لأظل صامدة.

قصيدة تشكيلية

• الكثير من الفنانين التشكيليين يرسمون من وحي القصيدة، ولكن في قصيدتك، نجدنا أقرب إلى قصيدة مستوحاة من لوحة تشكيلية؟

- الحياة لوحة تجتمع فيها كل الألوان، والأطياف، وربما ألتقط الصورة بالإدراك الحسي البصري، لتجسيدها في نص أدبي، هو ما يجعل النص الشعري يندرج تحت هذا التصنيف (لوحة تشكيلية)، ولعل مدارس الفن التشكيلي تفسر هذا التماهي، فالمدرسة الحقيقية تنقل حقيقة ما تتلقاه العين من المجتمع إلى اللوحة، والرمزية تعتمد الترميز لإضفاء جمالية التصور للواقع، والمدرسة الانطباعية تقحم انطباع الفنان وتفاعله الوجداني كما في القصيدة، ربما هذا ما يجعل قصيدتي تبدو مستوحاة من لوحة تشكيلية.

صراع النقاد

• كيف تنظرين إلى قيام النقاد بتقسيم الشعر إلى مراحل: "شعر الستينيات، والسبعينيات، والثمانينيات"؟

- لابد من إلقاء نظرة عاجلة على مميزات كل حقبة من هذه الحقب والمتغيرات التي فرضت هذا التميز، لتوضيح المفاهيم والمسميات، فللشعر تصنيفات عديدة منها: ما يخص النوع، أو الشكل، أو الأسلوب، أو اللغة (الفصيح والعامي)، أو الحقبة الزمنية، موضوع حديثنا التقسيم الحقبوي جاء بعد تمرد المدرسة الحديثة عن الكلاسيكي (التقليدي) المنضوي تحت علم العروض (البحور والأوزان)، حيث انبثقت خلال فترة السبعينيات ثورة على المدرسة الكلاسيكية، فظهر الشعر الحر أو شعر التفعيلة أو ما أُحدِث عليه اسم قصيدة النثر، حسب شعراء الحداثة أو التجديد، (نازك الملائكة والسياب وغيرهما)، فكانت الحقبة هذه انطلاقا لامتدادات أخرى، أربكت الحراك الثقافي العربي، وخلخلت توازنه بين مؤيد مدافع عن المدرسة الحديثة، ومعارض ينادي بالتمسك بالتقليدي، ولقد تأثر بهذه الموجة السرد أيضا، حيث انبثقت فصائل جديدة متعددة المشارب، فشهدت الأجيال الموالية صراعا بين النقاد لايزال قائما بشدة، بين مؤيد ومعارض كما أسلفتُ، مما أثرى الساحة الثقافية بالبحوث والنظريات، وربما إن سألتني عن موقفي أو وجهة نظري فأنا مع هذا التحول الكبير، وإبراز تأثيره على الحراك الثقافي العربي، وما خلق من مفارقات قلبت الكثير من الموازين والرؤى، ووسعت نطاق التجريب بأنساق جديدة، مع الحفاظ على روح الشعر، وجماليته، إذ لا شعر بلا شاعرية، ولا حاضر بلا ماضٍ، ولا أنكر أنني قلقة بشأن ما تعيشه الساحة الثقافية الآن في ظل هذا التغيير من خلط بين المسميات، فطفت على السطح نفايات تسيء للأدب، في غياب رقابة صارمة وجادّة بعيداً عن التطبيل والنفخ في الفراغ.

• بمَ تنشغلين حالياً؟

- حاليا أنا في فترة خمول، بعد ما انتهيت من ترتيبات طباعة روايتي الثالثة "جدائل متعبة"، ربما أفكر فيما بعد في رواية رابعة، عندما تتحدد لي الرؤية والفكرة التي قد تلهبني كي أشتغل عليها.

أما الشعر فإنه مخاضات تزورني بين الفينة والأخرى لا تُزهقني إلا إذا تمكنت مني، فأشاكس المَدرستَين الحديثة والقديمة.

القاهرة - محمد الصادق