يستمر وباء كورونا بكشفه حالة الاختلالات العميقة والهيكلية في العالم، وحالة التفاوت الحاد بين الناس في دنيانا الواسعة.ولذلك عند الحديث عن العودة إلى "الحالة الطبيعية" فهي العودة إلى حالة التفاوت بين دول أقلية، عالية الدخل، ودول متدنية الدخل.
فحسب "تحالف اللقاح الشعبي"، وهو تحالف دولي واسع من علماء وخبراء صحة ونشطاء، ومنظمات وفعاليات دولية، فإن ٩٠ في المئة في ٦٧ دولة فقيرة لن يحصلوا على اللقاح، فقد قامت الدول الغنية بشراء أضعاف ما تحتاج إليه لتطعيم كل القاطنين عليها، قاطعةً الطريق على الدول الفقيرة. إن الإنجاز العلمي السريع لم يكن ليتحقق لولا دعم الحكومات لأبحاث الشركات من الأموال العامة، والتي تجاوزت في الشركات المتصدرة أكثر من 5 مليارات دولار.إلا أنه، كالعادة، فإن إنجاز اللقاح ليس نهاية الحكاية، حيث يمثّل إيصاله إلى المحتاجين بصورة عادلة إشكالية معقّدة وممارسة متكررة.كما أن "الاستعجال باللقاح" قد يصطدم بنظرية المؤامرة، والحركات المناوئة له، وسط مرجعيات ثقافية مختلفة ومتباينة.إلا أن الذي يدور حالياً، يمثّل محور مشكلة الاقتصاد السياسي العالمي، فئة قليلة تملك، وفئة كبيرة لا تملك، وما سيؤديه ذلك من تمييز في وصول اللقاح إلى المحتاجين. فعلى سبيل المثال فإن ٥٣ في المئة من أفضل اللقاحات تم شراؤها من الدول الغنية، التي يمثّل سكانها ١٤ في المئة من تعداد البشر.كما تم شراء ٩٦ في المئة من لقاح فايزر- بيونتيك من دول غنية فقط، ومع أن لقاح أكسفورد- استرازينكا قد تعهّد أصحابه بتوفير ٦٤ في المئة للدول النامية، إلا أنه من غير المتوقع أن يتجاوز ١٨ في المئة من الإنتاج العالمي، إضافة إلى توجيهه إلى دول كبرى مثل الصين والهند.أما الدول النامية والفقيرة فستعتمد بالدرجة الأولى على برنامج منظمة الصحة العالمية كوفاكس، الذي تم من خلاله توفير ٧٠٠ مليون جرعة، وهو لن يكفي إلا لتطعيم ١٠ في المئة من الناس في ٦٧ من الدول الأكثر فقراً.ويقترح "تحالف اللقاح الشعبي" الدولي أن يتم إتاحة براءات الاختراعات للاستخدام العام، لكون الشركات المنتجة قد حصلت على دعم كبير من الأموال العامة، وعدم قدرتها على توفير لقاحات كافية لإنقاذ الناس، مما يجعل اللقاحات قضية منفعة عامة وليست لتحقيق الأرباح المضاعفة."الدول الغنية لديها جرعات لتطعيم سكانها عدة مرات، بينما الكثير من الدول الفقيرة ليس لديها ما يكفي لتطعيم العاملين بالصفوف الأمامية وغيرهم من المعرّضين للخطر".بطبيعة الحال، فإن العودة إلى الحالة الطبيعية هي عودة لحالة الاختلال في العالم، والتي تحتاج إلى مراجعة جدية، وما "كورونا" إلا كاشفة لتلك الأزمة العالمية، هذا إذا قبلنا بأن أزمة كورونا ستنتهي باللقاح، أو أن تداعياتها وتحولاتها قد انتهت، وهو أمر يحتاج إلى مزيد من الفحص.
أخر كلام
الوباء بين الفقراء والأغنياء
21-12-2020