رغم سباق اللقاحات ضد فيروس «كورونا» المستجد، وطرف الأمل الذي بدأ الناس حول العالم يتمسّكون به، يبدو أن الأمور تتجه للعودة الى نقطة الصفر مع إعلان بريطانيا خروج السلالة الجديدة من فيروس «كورونا» عن السيطرة، في تحور رصدته منظمة الصحة العالمية في 3 دول أخرى.

Ad

هانكوك

ودافع وزير الصحة البريطاني مات هانكوك عن قرار الحكومة تشديد القيود في بعض مناطق المملكة المتحدة.

وقال في حوار مع قناة «سكاي نيوز»، أمس، إن تشديد القيود في لندن وجنوب شرقي إنكلترا حتى الدرجة الرابعة، وهي الأكثر صرامة قبيل عيد الميلاد، جاء بسبب خروج تفشي السلالة الجديدة عن السيطرة، ووجود حاجة لردعه من خلال اعتماد التباعد الاجتماعي المشدد.

وأضاف الوزير انه كان من واجب السلطات اتخاذ إجراءات عاجلة بعد ورود المعلومات عن السلالة الجديدة، مشيرا إلى أن الوعود السابقة بشأن تخفيف القيود خلال عطلة عيد الميلاد ورأس السنة جاءت قبل ظهور هذا التحدي الجديد، واضطرت الحكومة إلى التراجع عنها.

وتوسّع بالحديث هانكوك شارحًا: «في نوفمبر، في المناطق التي بدأ فيها انتشار هذه السلالة الجديدة، استمرت الحالات في الارتفاع بينما نجح إغلاق نوفمبر بشكل فعاّل في بقية البلاد. إنه تحدٍ هائل، سيستمرّ حتى نتمكن من إطلاق اللقاح لحماية الناس. هذا ما سنواجهه خلال الشهرين المقبلين».

ولفت هانكوك إلى أنه سيكون من الصعب السيطرة على تفشي السلالة الجديدة ما لم يتم توزيع اللقاح على نطاق واسع.

وتابع: «إنه أمر ذو خطورة فتاكة. هذا مرض فتاك وعلينا الاحتفاظ بالسيطرة عليه وازدادت هذه المهمة صعوبة في ظل ظهور هذه السلالة الجديدة».

كما انتقد الوزير قرار الكثير من المواطنين مغادرة لندن في ظل إعلان القيود الجديدة، ما أدى إلى اكتظاظ محطات سكك الحديد، واصفا ذلك بأنه «سلوك غير مسؤول إطلاقا».

وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، تحدث في مؤتمر صحافي، أمس الأول، عن انتشار نوع جديد من الفيروس ينتقل «بسهولة أكبر». لكنه شدد على أنه «ليس هناك ما يشير إلى أنه أكثر فتكاً أو أنه يسبب شكلا أخطر من المرض أو يقلل من فعالية اللقاحات».

وقال جونسون إن السلالة الجديدة أسرع انتشاراً من السلالة الأصلية بنسبة تصل إلى 70 في المئة.

وقال أكبر مسؤول طبي في إنكلترا كريس ويتي، في مؤتمر صحافي مشترك مع جونسون: «أعتقد أن هذا الوضع سيزيد الأمور تعقيدا، لكن هناك أمورا تبعث على التفاؤل ببدء حملة التطعيم، على فرض أن اللقاح فعال مع فصيلة الفيروس هذه أيضا».

وبات سكان العاصمة لندن والجنوب الشرقي لإنكلترا يخضعون فعليا لقيود صارمة، بعد رفع حالة الإنذار إلى الدرجة الرابعة وهي الأعلى، وهو إجراء يشمل 18 مليون شخص. وقد طلب منهم البقاء في بيوتهم، بينما لن تتمكن الشركات غير الأساسية من استئناف عملها الذي توقف السبت، ما أدى إلى توقف مشتريات عيد الميلاد في اللحظة الأخيرة.

منظمة الصحة

وقالت ماريا فان كيرخوف، وهي خبيرة متخصصة في الأمراض الطارئة المعدية، ضمن برنامج الطوارئ الصحية والمدينة التقنية لمواجهة جائحة فيروس كورونا في المنظمة التابعة للأمم المتحدة، في حديث لهيئة البث البريطانية BBC، إن تلك الدول هي: الدنمارك وهولندا وكذلك أستراليا حيث سجلت إصابة واحدة بالسلالة الجديدة. لكن تقارير أشارت إلى أن السلالة الجديدة ظهرت أيضاً في جنوب افريقيا.

وأبدت فان كيرخوف قلق منظمة الصحة العالمية إزاء ظهور سلاسل جديدة، مؤكدة أن خبراء المنظمة مستمرون في دراسة السلالة الجديدة، بهدف زيادة معرفتهم بشأن قدرة الوباء على التغير.

كما دعت المنظمة في أوروبا دولها إلى «تعزيز قيودها» مع ظهور السلاسة الجديدة.

تعليق الرحلات

وعلقت هولندا، التي تفرض إجراءات إغلاق تشمل المدارس والشركات الأساسية حتى منتصف يناير، كل رحلات الركاب القادمة من بريطانيا اعتبارا من الأمس، حتى الأول من يناير.

وجاءت هذه الخطوة بعد اكتشاف حالة في هولندا لشخص مصاب بالفصيل الجديد من الفيروس.

وبانتظار اتضاح وضع السلالة الجديدة من الفيروس تقول الحكومة الهولندية إنها تريد تقليل خطر انتشارها بأكبر قدر ممكن.

وقالت الحكومة أيضا إنها ستتعاون مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حول خطوات إضافية كفيلة بحصر مخاطر وصول الفصيلة الجديدة من الفيروس من المملكة المتحدة.

وفي روما، أعلن وزير الخارجية لويجي دي مايو أن إيطاليا ستعلق الرحلات الجوية مع المملكة المتحدة.

وقال: «أطلقت المملكة المتحدة تحذيراً يتعلق بشكل جديد من «كوفيد» هو نتيجة تحوّل للفيروس. ونحن كحكومة، من واجبنا حماية الإيطاليين، ولذلك سنوقع، مع وزير الصحة، مرسوما بتعليق الرحلات مع بريطانيا»، لكن لم يحدد موعد بدء تنفيذ هذا الإجراء.

ووفقا لقناة «سكاي تي جي 24» الإخبارية، فقد حظرت بالفعل عمليات الصعود إلى الطائرات المتجهة إلى المملكة المتحدة من فيوميتشينو، المطار الرئيسي في روما.

وأوضح رئيس الوزراء البلجيكي الكسندر دو كرو، أن بلاده ستغلق حدودها، وستعلّق الرحلات الجوية وحركة القطارات القادمة من بريطانيا، بما في ذلك قطار «يوروستار» المهم، مدة 24 ساعة على الأقل، كإجراء احترازي.

وأعلنت الحكومة الإسبانية أنها طلبت ردا "منسقا" للاتحاد الأوروبي في شأن تعليق الرحلات الآتية من المملكة المتحدة.

وقالت في بيان إن "الهدف يكمن في حماية حقوق المواطنين الأوروبيين عبر التنسيق وتجنب اتخاذ إجراءات أحادية".

وبينما افاد مصدر حكومي ألماني أن بلاده «تدرس اتخاذ خطوة مماثلة كخيار جاد بالنسبة إلى الرحلات الجوية من بريطانيا وجنوب إفريقيا»، قالت باريس انها ستتخذ قرارها بعد التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي. وناقش الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، أمس، السلالة الجديدة.

كما أعلنت وزارة الصحة الإسرائيلية منع دخول البلاد على المسافرين القادمين من جنوب إفريقيا والدنمارك وبريطانيا. وينتظر أن يتخذ قرار آخر بفرض الحجر الصحي مدة 14 يوما على القادمين من أستراليا ونيوزيلندا.

نتنياهو

وفي تل أبيب، طمأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مواطنيه، بشأن السلالة الجديدة للفيروس التي ظهرت في بريطانيا، بتأكيده قدرة اللقاح المعتمد لدى تل أبيب على تحييدها.

وقال: «لا نرى في الظرف الحالي أي مؤشر على أن اللقاح الذي بين أيدينا لن يتغلب على السلالة الجديدة». وأضاف «على حد علمنا، انه قادر على التغلب على الضغط الجديد»، موضحا أن حكومته تتابع عن كثب المستجدات حول هذا الموضوع.

توزيع «موديرنا»

وفي أميركا، من المقرر أن يبدأ أكثر من 3700 موقع في تلقي وتوزيع لقاح شركة «موديرنا» اليوم، ما يوسع نطاق حملة التوزيع التي بدأت بلقاح شركة «فايزر». وقال الجنرال الأميركي غوستاف بيرنا المسؤول عن توزيع اللقاح، إن الشاحنات المحمّلة بحاويات تحمل اللقاح انطلقت أمس، على أن تصل إلى مقدمي الرعاية الصحية اعتباراً من اليوم.

وتمّ نقل جرعات اللقاح برفقة حراسة أمنية، وتم تخزينها في ثلاجات مغلقة. وتعتزم السلطات توفير اللقاح أولا للفئات الأكثر عرضة للخطر مثل كبار السن في دور رعاية المسنين والعاملين في المجال الطبي.

واعتذر بيرنا لحكام الولايات عن الارتباك الذي وقع فيما يتعلق بتوفير اللقاحات، بعد أن خفضت الحكومة عدد الجرعات التي ستتلقاها الولايات خلال هذا الأسبوع.

إلى ذلك، قال الرئيس البرازيلي اليمين المتطرّف جايير بولسونارو، أمس الأول، إن «الاستعجال» في تلقيح السكان ضد «كورونا» ليس مبرراً.

واعتبر الرئيس البرازيلي، خلال مقابلة بثت على موقع «يوتيوب» مع نجله النائب إدواردو، أن «الوباء يقترب من نهايته. الأرقام أظهرت ذلك. لدينا حاليا زيادة طفيفة، وهو ما يسمى انتعاش صغير».

ماذا نعرف عن السلالة الجديدة؟

أثار ظهور سلالة جديدة من فيروس كورونا، في المملكة المتحدة، معدية أكثر من السلالات الأخرى قلق علماء الأوبئة.

وأشار المستشار العلمي للحكومة البريطانية باتريك فالانس، أمس الأول، إلى أن السلالة الجديدة إضافة إلى انتشارها السريع، أصبحت أيضا الشكل "السائد" من الفيروس، بعدما أدت إلى "زيادة حادة" في الحالات التي استدعت الدخول إلى المستشفيات في ديسمبر الجاري.

وقد تكون هذه السلالة ظهرت عند منتصف سبتمبر في لندن أو كنت (جنوب شرق)، على حد قوله.

وقال كبير المسؤولين الطبيين في إنكلترا، كريس ويتي، في بيان، إن "المجموعة الاستشارية لأخطار فيروسات الجهاز التنفسي الجديدة والناشئة تعتبر الآن أن هذه السلالة الجديدة قد تنتشر بشكل أسرع".

ويرتكز هذا الرأي على ملاحظة "زيادة حادة في عدد الإصابات والحالات التي تستدعي الدخول إلى المستشفى في لندن والجنوب الشرقي مقارنة ببقية إنكلترا في الأيام الأخيرة"، وفق قول أستاذ الطب في جامعة "إيست أنغليا" بول هانتر لموقع "ساينس ميديا سنتر". وأضاف: "يبدو أن هذه الزيادة ناجمة عن السلالة الجديدة"، في إشارة إلى المعلومات التي قدّمتها السلطات الصحية.

ومع ذلك "لا يوجد مؤشر في الوقت الراهن على أن هذه السلالة الجديدة تسبب ارتفاع معدل الوفيات، أو أنها تؤثر على اللقاحات والعلاجات، لكن العمل جار لتأكيد ذلك"، وفق ويتي.

المعلومات حول هذه السلالة الجديدة مقلقة جدا، وفق ما قال البروفيسور بيتر أوبنشو المتخصص في جهاز المناعة في إمبريال كوليدج لندن لموقع "ساينس ميديا سنتر"، خصوصا لأنه "يبدو أنها أكثر قابلية للانتقال بنسبة تتراوح بين 40 و70 في المئة". وأضاف البروفيسور جون إدموندز من كلية لندن للصحة وطب المناطق المدارية "هذه أنباء سيئة للغاية. يبدو أن هذه السلالة معدية أكثر بكثير من السابقة".

وذكر المتخصص الفرنسي في علم الوراثة، أكسل كان، على صفحته في "فيسبوك"، أنه حتى الآن "تم رصد 300 ألف سلالة من كوف-2 في العالم".

وتحمل السلالة الجديدة طفرة تسمى "إن 501 واي" في بروتين "شويكة" فيروس كورونا، وهي موجودة على سطحها، وتسمح لها بالالتصاق بالخلايا البشرية لاختراقها.

ووفقا للدكتور جوليان تانغ من جامعة ليستر "كانت هذه السلالة تنتشر بشكل متقطع في وقت سابق من العام الحالي خارج المملكة المتحدة، في أستراليا بين يونيو ويوليو، والولايات المتحدة في يوليو وفي البرازيل في أبريل".

ولفت البروفيسور جوليان هيسكوكس من جامعة ليفربول إلى أن "فيروسات كورونا تتحوّر طوال الوقت، وبالتالي ليس من المستغرب ظهور سلالات جديدة من سارس-كوف-2. الشيء الأكثر أهمية هو معرفة ما إذا كانت هذه السلالة لديها خصائص من شأنها التأثير على الصحة البشرية والتشخيصات واللقاحات".

وأشار أكسل كان إلى أنه "كلما ارتفع عدد الإصابات، ارتفعت احتمالات حصول تحور عشوائي للفيروس وارتفعت وتيرة حصول تحور".