رياح وأوتاد: هذا أولها... الله يعين الكويت على تاليها
إذا استمرت بمجلس الأمة الأخطاء نفسها التي سيطرت على الجلسة الافتتاحية في الجلسات المقبلة فإننا قد نكون على أبواب فوضى مشابهة، وأزمات متتالية يختفي أو يتراجع فيها الالتزام بنصوص اللائحة وتتراشق فيها الاتهامات بالفساد والتخوين ومحاولة فرض الرأي فرضاً، وتزداد الصراعات إلى درجة كبيرة تضيع معها المصلحة العامة.
في مقال الاثنين الماضي كتبت عن ضرورة مساعدة رئيس مجلس الأمة في ضبط الجلسة، وذلك بالتزام الأعضاء باللائحة الداخلية للمجلس التي صدرت بقانون وعلى الأعضاء البر بقسمهم الذي ينص على احترام القوانين.ولكن وللأسف كانت الجلسة الأولى مليئة بمخالفات متنوعة لقانون اللائحة، ولا مجال لسردها الآن، لأني ذكرت بعضها في المقال السابق، كما بين الخبراء الدستوريون والقانونيون الحكم الصحيح فيها، وكادت الفوضى تعم الجلسة، وكانت أكبر مفاجأة هي تصوير ورقة الانتخاب مع "باركود" مما يدل على ضعف الثقة بين بعض النواب بالإضافة إلى مخالفتها مبدأ السرية المنصوص عليه.أما ما صدر من جمهور الحضور وأحد موظفي المجلس من ألفاظ أو حركات فإنها غير قانونية، وتنم عن عدم احترام للأعضاء والمؤسسة البرلمانية، وقد حدثت أفعال وصدرت صرخات من جمهور الحضور عدة مرات في المجالس السابقة، ولعل أصرخ مثال هو تلك المرأة التي شتمت عدداً من النواب بالاسم بصوت مرتفع في جلسة القروض، ونال الأخ أحمد السعدون النصيب الأكبر من ألفاظها، ولكن الرئيس اكتفى بإخلاء القاعة من الجمهور، وبالتأكيد لا يمنع إخلاء القاعة من اتخاذ أي إجراء قانوني بحق من أساء وشتم النواب.
وهناك من يحّمل الأمين العام تبعية هذه الأخطاء، وهذا ليس من العدل أو الإنصاف، فقد تم تسليم الدعوات لكل من طلبها من النواب، ولا تتحمل الأمانة حضور بعض الجمهور إلى المجلس قبل غيرهم أو إساءة أدبهم، كما لا تتحمل الأمانة التصوير والنشر الذي تم للأوراق الانتخابية أو إجراء تغييرات بها بواسطة "الفوتوشوب" لأن هذا يقع وزره على من قام به وحده، حيث نص الدستور على الآية الكريمة: "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"، فمن المعلوم أن الأمانة قامت بختم ورقة الانتخاب لحظة تسليمها للنائب وهو يتوجه إلى صندوق الانتخاب، وجميع الأوراق التي تم فرزها في الصندوق كانت مختومة بختم المجلس.وهناك سؤال مهم لمن يطلب التحقيق في الموضوع وهو: هل سيشمل التحقيق النواب رغم تمتعهم بالحصانة؟ أي هل سيُسأل النواب عن مصدر الأوراق غير المختومة التي ظهرت في هواتفهم وفي وسائل الاتصال؟ وكيف حصل عليها؟ ولماذا قام بتصويرها؟ وأين ذهب ختم المجلس عنها؟ وكيف تمت إزالته؟هذا الموضوع ذكرني بتسريب التقرير المالي للجنة تقصي الحقائق قبل اعتماده في مجلس 92، إذ لم نتمكن من التحقيق مع النواب لتمتعهم بالحصانة ولم يسفر التحقيق عن الإشارة إلى اسم النائب الذي سرب التقرير. وأرى أيضاً أن من أخطر ما تمت مشاهدته في انتخابات الرئاسة وما سبقها وما أعقبها هو ما نشر في وسائل التواصل الإلكترونية من شتائم وتطاول وألفاظ لم يسلم منها أحد من الفريقين وغيرهم، وهي تدل على خطورة ما يطالب به بعض الأعضاء تحت شعار المزيد من الحريات، إذ ليس من الحرية انتهاك كرامة الناس والإساءة إليهم ونسبة أقوال أو أفعال غير صحيحة إليهم، فليس هذا من حرية التعبير، ولكن هذا الوضع المؤسف الذي شاهده الجميع يستدعي ترشيد الحرية والبيان، أنها تقف عند حدود سمعة الناس وكرامتهم وشرفهم وسن العقوبات المناسبة على من ينتهك هذه القواعد الشرعية.والمهم أنه إذا استمرت الروحية والأخطاء نفسها التي سيطرت على الجلسة الافتتاحية في الجلسات المقبلة فإننا قد نكون على أبواب فوضى مشابهة، وأزمات متتالية يختفي أو يتراجع فيها الالتزام بنصوص اللائحة وتتراشق فيها الاتهامات بالفساد والتخوين ومحاولة فرض الرأي فرضاً، وتزداد الصراعات إلى درجة كبيرة تضيع معها المصلحة العامة، خصوصاً أننا إذا تأملنا الاقتراحات التي أعلنها بعض النواب فسيتبين أن خلافات كبيرة تدور حولها، ولا يوجد توافق بشأنها بين النواب ولا مع السلطات الأخرى، أي سلطة الحكم والسلطتين التنفيذية والقضائية مما ينذر بعواصف شديدة قادمة.لذلك ومع ضرورة الالتزام الكامل باللائحة كنت أتمنى أن يبدأ النواب عملهم بالتشريعات التي تمنع تكرار هذه الفوضى في المستقبل والتي يكون عليها قدر كبير من الاتفاق، وأولها إنشاء لجنة للقيم البرلمانية أسوة ببرلمانات كل الدول المتقدمة والتي تمنع العضو من الاستفادة الشخصية، وتزيد التزام الأعضاء وتنظيم عملهم في المجلس وحدود علاقتهم بالسلطات الأخرى.كما كنت أتمنى أن ينتبة المجلس إلى أخطر قضية تواجه الكويت الآن وهي عجز الميزانية والإصلاح الاقتصادي، وذلك بسن قوانين إصلاحية على ضوء وثيقة (قبل فوات الأوان) الجامعية، وأيضاً مشروع إدخال الشركات الخاصة والعائلية في هيئة أسواق المال وفي قانون الزكاة، وذلك لتحقيق إيرادات إضافية للبلاد، ولتحقيق الرقابة على هذه الشركات في المنافسة على المناقصات مما يزيد حجم الشفافية ويقلص الفساد، وبالتأكيد توجد مشروعات قوانين مهمة أخرى يمكن الاتفاق عليها بدل المشروعات التي أعلنها والتي لا تزيد الأمور بين السلطات إلا اختلافا وفرقة.ولا يخفى ما على الوزراء من دور مهم وتضامني في شرح موقف الحكومة من الاقتراحات التي لا توافق عليها شرحاً قانونياً واقتصادياً مقنعاً ومستنداً إلى الأدلة والحجج الكافية لتحصيل الأغلبية المطلوبة، ولكن إذا لم يتم تدارك النواب والوزراء لكل هذه الملاحظات فنسأل الله أن يعين الكويت على القادم من الأيام.
أحمد باقر
أمانة المجلس لا تتحمل حضور بعض الجمهور قبل غيرهم أو إساءة أدبهم ولا أي تغييرات تمت بواسطة «الفوتوشوب»