تأثير بروكسل يصل إلى شركات التكنولوجيا الكبرى
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
على نحو مماثل، عملت ضوابط الاتحاد الأوروبي التنظيمية، بفضل انتشارها العالمي، على جلب فوائد كبرى لمستخدمي الإنترنت الأميركيين، الذين يرحب كثيرون منهم بسبل حماية الخصوصية المعززة وانحسار انتشار خطاب الكراهية على الإنترنت.كان تقاعس الولايات المتحدة سببا في تمهيد الطريق أمام صعود الاتحاد الأوروبي باعتباره قوة تنظيمية عظمى، إذ تحتضن الولايات المتحدة إلغاء القيود التنظيمية والتحرر التكنولوجي كنهج لِـحُـكـم الاقتصاد الرقمي، وعلى هذا فقد راقبت لفترة طويلة من الهامش كيف يضع الاتحاد الأوروبي القواعد التنظيمية التي تحكم عمل السوق العالمية، ومن خلال التخلي عن المشاركة الدولية والتعاون التنظيمي، عززت إدارة ترامب هذه الانعزالية التنظيمية.لكن الرياح في الولايات المتحدة ربما تتغير أخيرا، فقد بدأ المشرعون وهيئات إنفاذ القانون تنتبه لتجاوزات شركات التكنولوجيا الكبرى. في وقت سابق من هذا العام، أصدر تقرير اللجنة القضائية في مجلس النواب بشأن المنافسة في الأسواق الرقمية دعوة قوية إلى العمل وحدد الخطوط العريضة لرؤية جديدة لتنشيط قوانين مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تطعن وزارة العدل الأميركية الآن في ممارسات شركة غوغل الاحتكارية (بعد التسامح معها طوال العقد الفائت)، كما تُـقاضي لجنة التجارة الفدرالية- إلى جانب 46 من الولايات الخمسين، وواشنطن العاصمة، وغوام- شركة فيسبوك باعتبارها كيانا احتكاريا غير قانوني. ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الخطوات تمثل بداية ثورة تقدمية لمكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة، أو قد تتوقف في الكونغرس المنقسم أو أمام محاكم ذات ميول محافظة اعتادت على منح قانون مكافحة الاحتكار دور أكثر محدودية.في كل الأحوال، تُـحـسِـن الولايات المتحدة صنعا بالتخلي عن نهج عدم التدخل في التعامل مع شركات التكنولوجيا، ويتعين عليها أن تكف عن تنفيذ قواعد وضعها غيرها، وأن تبدأ بدعم ضوابط تنظيمية خاصة بها، وسيكون استنان قانون فدرالي للخصوصية نقطة بداية مثالية، خصوصا أن هذه الفكرة تحظى بالفعل بالدعم من جانب شركات أميركية رائدة مثل مايكروسوفت، وفيسبوك، وأبل. الواقع أن قانون الخصوصية الأكثر صرامة من شأنه أن يساعد الولايات المتحدة في إعادة تدفقات البيانات مع الاتحاد الأوروبي، والتي أوقفتها محكمة العدل الأوروبية بسبب الافتقار إلى سبل حماية الخصوصية في الولايات المتحدة، كما سيسمح القانون للولايات المتحدة بمعالجة مخاوفها بشأن مراقبة الحكومة الصينية لمواطنين أميركيين، ولا تشكل الجهود العشوائية التي بذلتها إدارة ترامب لحظر منصة التواصل الاجتماعي المملوكة لصينيين (TikTok) من دخول السوق الأميركية بديلا للضوابط التنظيمية الرامية إلى حماية بيانات الأميركيين الشخصية.وتصبح الحجة لتجدد القيادة التنظيمية للولايات المتحدة أكثر إقناعا في ضوء التأثير الصيني العالمي المتزايد على معايير حوكمة التكنولوجيا، فقد قدمت الشركات الصينية، وجميعها تربطها علاقات متفاوتة بالحزب الشيوعي الحاكم، البنية الأساسية التكنولوجية الحرجة للعديد من البلدان في مختلف أنحاء العالم. كما زودت الصين عددا كبيرا من الحكومات الحريصة على ملاحقة غايات غير ليبرالية بتكنولوجيا المراقبة القائمة على الذكاء الاصطناعي.نظرا لرؤية الصين الاستبدادية للإنترنت ستستفيد الولايات المتحدة كثيرا من العمل عن كثب مع الاتحاد الأوروبي بشأن تنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى والاقتصاد الرقمي. الواقع أن الخلافات المرتبطة بمكافحة الاحتكار والخصوصية والضرائب بين الكيانين يمكن إدارتها وتسويتها، ويجب أن تُـعَـالَج كجزء من جهد أوسع لإعادة ضبط العلاقات عبر الأطلسي. بدلا من محاربة محاولات الاتحاد الأوروبي المشروعة للدفاع عن رؤيته للاقتصاد الرقمي، ينبغي لإدارة الرئيس المنتخب جو بايدن أن تستكشف كيف يمكنها العمل مع الاتحاد الأوروبي لدعم رؤية مشتركة، ففي النهاية، يريد المواطنون على جانبي المحيط الأطلسي شبكة إنترنت تتمحور حول الإنسان وترتكز على قيم الديمقراطية الليبرالية والاستقلالية الفردية.* آنو برادفورد *أستاذة القانون والتنظيم الدولي في كلية الحقوق في جامعة كولومبيا، وكبيرة باحثين في معهد جيروم أ. تشازين لإدارة الأعمال العالمية التابع لكلية إدارة الأعمال في جامعة كولومبيا، ومؤلفة كتاب «تأثير بروكسل: كيف يحكم الاتحاد الأوروبي العالم».«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»