وسط تخوف رسمي وشعبي من عودة سيناريوهات استهداف البعثات الدبلوماسية التي هددت الولايات المتحدة بالرد عليها، خاصة مع قرب الذكرى الأولى لاغتيال قاسم سليماني، بدأت قوات الأمن العراقية، ليل الاثنين - الثلاثاء، في تنفيذ خطة انتشار واسعة بمشاركة من الجيش وقوات الشرطة وجهاز الأمن الوطني، في مناطق عدة من العاصمة بغداد، تهدف لمنع تنفيذ أي هجمات صاروخية جديدة على «المنطقة الخضراء»، حيث تقع السفارة الأميركية.

ووفقا لمسؤول أمني عراقي رفيع، فإن الانتشار الأمني الجديد ركز على المناطق التي شهدت عمليات إطلاق صواريخ منها على المنطقة الخضراء، مضيفا أنه تم نشر وحدات راجلة وأخرى ثابتة وإقامة نقاط تفتيش جديدة وحواجز أمنية خلال فترة المساء، وتم تعميم رقم هاتف للمواطنين للاتصال في حال ملاحظتهم أي تحركات مريبة قرب منازلهم.

Ad

ولفت إلى أن السلطات تحقق مع 4 أشخاص مشتبه بتورطهم في الهجوم الأخير الذي استهدف السفارة الأميركية بقذائف الكاتيوشا، الأحد الماضي، وهم من عناصر منتمية لإحدى الفصائل المسلحة المنضوية ضمن هيئة «الحشد الشعبي»، مؤكداً أن ممثلين عن «الحشد» يشاركون في التحقيق.

عمل كبير

من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم قيادة العمليات، اللواء تحسين الخفاجي، إن «قيادة العمليات تقوم بعمل كبير من أجل إيقاف الهجمات على المنشآت والأهداف الحيوية للبلد، ومن ضمنها السفارات والبعثات الدبلوماسية من خلال تفعيل الجهد الاستخباري والأمني»، لافتا إلى أن «الإجراءات الأمنية التي تم اتخاذها ستكون لها نتائج واضحة للعيان خلال الأيام القليلة المقبلة».

وأضاف أن «قيادة العمليات المشتركة والأجهزة الأمنية، ووفقا لتوجيه القائد العام للقوات المسلحة، مستمرة بالضغط على المجاميع المنفلتة التي تستخدم السلاح خارج إطار الدولة، وتهدد أمن وسيادة البلاد»، مبينا أن «قيادة العمليات لن تسمح بأن يكون هناك تهديد للسلم المجتمعي، أو أن تكون هناك صورة سلبية للبلاد أمام المجتمع الدولي».

وفي وقت سابق، أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، مساء أمس الأول، توقيف مسؤولين أمنيين على خلفية «القصف الإرهابي الجبان للمنطقة الخضراء الذي تسبب في إصابة عراقيين».

تخوف وانتقادات

جاءت التدابير الجديدة بعد الهجوم الصاروخي العنيف الذي استهدف وسط بغداد، وأسفر عن خسائر وأضرار مادية بممتلكات عامة وخاصة بمنازل مواطنين قاطنين قرب المنطقة الخضراء، في حين أصدرت السفارة الأميركية بيانا أكدت فيه عدم تسجيل أي خسائر بالهجوم.

ويأتي ذلك وسط مخاوف من رد عسكري أميركي بحال تكرار الهجوم، يتأرجح بين استهداف الفصائل الموالية لإيران، أو العودة لقرار تعليق عمل السفارة في بغداد والذي تراجعت عنه واشنطن بفعل تعهدات عراقية تتعلق بأمن السفارة.

وأمس الأول، أكدت واشنطن جاهزيتها للرد على أي هجوم تقوم به طهران أو الجماعات الموالية لها، مع قرب حلول الذكرى الأولى لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد أبومهدي المهندس قرب مطار بغداد بضربة جوية أميركية.

وانتقد سياسيون عراقيون، الهجمات التي تنفّذ تحت مسمى «المقاومة والجهاد»، وقال نائب رئيس الوزراء الأسبق، بهاء الأعرجي، في تغريدة له، «المقاومة والجهاد عنوانان كبيران هدفهما تحرير البلد ليستعيد سيادته وقوّته، أما استهداف البعثات الدولية، فنتيجته عزلة العراق وإضعافه وإحراج الحكومة في وقت تكثر به الأزمات، لذا فإن كل عمل من أمثال هذا الاستهداف لا يمكن أن يكون نابعاً من إرادة وطنية، بل من تبعية واضحة».

كما تبرأت أغلب الفصائل العراقية المسلحة المرتبطة بإيران من الهجمات، وأعلنت طهران رفضها للهجوم الأخير، واتهمت واشنطن بتدبيره، وسط تصاعد حذر للتوتر مع قرب حلول ذكرى اغتيال سليماني وانتهاء ولاية الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في يناير المقبل.

تأمين حدودي

في هذه الأثناء، أكدت قيادة العمليات المشتركة، تأمين غالبية المساحات الحدودية المشتركة مع سورية، في حين أشارت إلى أن رئيس الحكومة القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي وجّه بضرورة ضبط الحدود بالكامل.

وقال الخفاجي إن «الحدود العراقية السورية بطول 610 كليومترات أغلبها مؤمّنة بالكامل».

وأضاف المتحدث باسم العمليات أن «هناك عملاً كبيراً تقوم به وزارتا الدفاع والداخلية وهيئة الحشد، فضلا عن وجود معدات مقدمة من وزارة الموارد المائية لحفر خندق ضخم، وهو في مراحله الأخيرة، وكذلك وضع سواتر ترابية، وسياج، إضافة إلى أن قوات التحالف الدولي تسهم في عملية إمداد الكثير من المعدات التي ستوضع على الحدود، إضافة إلى نصب أبراج مراقبة للسيطرة على محاولة فلول تنظيم داعش للتنقل».

في سياق قريب، أكد رئيس جهاز الأمن الوطني العراقي، عبدالغني الأسدي، خلال لقاء جمعه مع وزير داخلية كردستان ريبير أحمد، في أربيل أمس، أن «أذرع التعاون الأمني يجب أن تمتد إلى كل محافظات العراق، بما فيها محافظات إقليم كردستان».

«الفاو الكبير»

على صعيد آخر، أعلن وزير النقل العراقي ناصر الشبلي، أمس، تصويت مجلس الوزراء على تخويل وزارة النقل تنفيذ ميناء الفاو الكبير المطل على الخليج قبالة السواحل الكويتية.

وأكد الشبلي أنه سيسعى إلى استمرار شركة «دايو» الكورية في تنفيذ «الفاو الكبير»، رغم إعلانها الانسحاب في وقت سابق، وسط خلافات وتنافس بين الأحزاب العراقية بشأن الحصص في الميناء الضخم، ورغبة أطراف عراقية محسوبة على إيران في إسناد المشروع إلى شركات صينية.

وكان رجل الدين العراقي البارز مقتدى الصدر قد دعا في وقت سابق إلى «منع حالات التدخل الداخلي والخارجي التي تواجه إتمام تنفيذ الميناء»، في إشارة إلى محاولات إيرانية تنحاز إلى دور صيني في «الفاو الكبير»، ضد كوريا الجنوبية الحليفة للغرب. وطالب الصدر في الوقت نفسه بـ «الاتفاق مع الجارة العزيزة الكويت».