لم أَجِد وصفاً مناسباً من الناحية القانونية لجلسة انتخاب رئيس مجلس الأمة أدق من كونها "جلسة الإشكالات الدستورية ذات التداعيات القانونية المستمرة"، فقد شهدت أحداثاً يندى لها الجبين، وسوابق مسيئة للتجربة البرلمانية الكويتية منذ عام 1962، وتضمنت صخباً وممارسات لا تنال من مكانة مجلس الأمة فحسب، بل تُمثِّل تعدياً على الشعب الكويتي، كما تعبّر عن ردّة دستورية لدى الحكومة، وانحدار العمل البرلماني.ونستعرض الإشكاليات الدستورية التي شابت جلسة الافتتاح يوم الثلاثاء 15 الجاري وتداعياتها القانونية الآنية والمستقبلية.
- إن التشكيل الوزاري الذي تكوّنت منه الحكومة يعدّ، بحق، تجاهلاً متعمداً لإرادة الأمة التي عبّرت عنها صناديق الاقتراع، وهو يعبّر عن أحد أمرين، إما إصرار السلطة على تجاهل توجهات الأمة وخياراتها حينما تشكّل حكومة لا تتجاوب إطلاقاً وخياراته الانتخابية، أو أن رئيس الوزراء يتعمد المجيء بحكومة (تلزيق) باتجاهات متنافرة مع الناس ونوابهم المنتخبين للتعجيل بالصدام السياسي. وكلا الاحتمالين جاء بخلاف ما تقرره المذكرة التفسيرية للدستور للمادة 57 من الدستور في إنزال إرادة الناس منزلتها اللائقة عند تشكيل الحكومة.- إن التوجه السابق أكده ودعمه موقف الحكومة المنحاز في انتخابات رئاسة المجلس الذي جاء خلافاً للإرادة الشعبية التي عبّر عنها أكثر من 36 نائباً، وجسّدها عملياً 31 نائباً، مما يعني أن الحكومة تعمل على وأد الإرادة الشعبية دون احترام للدستور وبديهيات القواعد البرلمانية، التي تستوجب أن تأتي الحكومة ذاتها من رحم الأغلبية البرلمانية، فما بالكم إن انحرفت وتواطأت على فرض رئيس لمجلس الأمة لا يعبّر عن الأغلبية البرلمانية؟- إن تسرب وتداول أوراق تخص انتخابات رئاسة مجلس الأمة - كما راج - قبل انعقاد جلسة المجلس الافتتاحية يمثّلان إشكالاً يلحق بطلاناً بانعقاد انتخاب الرئيس، وينحدر بها للانعدام، كما أن وجود أكثر من نموذج لورقة انتخاب رئيس المجلس بين أوراق، إحداها فيها شعار مختلف عن الأوراق الأخرى، وعدد منها يحمل ختم المجلس، وأخرى من دون ختم، ينطوي على إشكالية دستورية جسيمة تُورث بطلاناً مطلقاً لانتخابات الرئاسة، وهو قرار يملك المجلس إعلانه، ويقرر إعادة إنتخاب الرئيس في أي وقت، لكونه بطلاناً مطلقاً لا ينتج أثراً ولا يُكسب مركزاً قانونياً، ويملك المجلس إبطاله بكل وقت، ويمكن أن يتم إعلان بطلانه قضائياً، لأنه صار عملاً مادياً لا قانونياً، ولا يُولّد مركزاً قانونياً. مع عدم إغفال أن اختلاف أوراق الاقتراع يرقى لشبهة التزوير، ويُسأل عن ذلك الأمين العام ومجلس الوزراء، باعتبار أن الأمانة العامة تتبع لمجلس الوزراء حينما لا يكون المجلس قائماً، وفقاً للائحة الداخلية.- المخالفة الجسيمة التي ارتكبها رئيس السنّ على نحو مزدوج وخطير، إذ إنه كان منحازاً في رأيه، وكان يستشهد برأيه بقصاصات كُتبت له بصورة مسبقة، وقرأها أمام مرأى وتحت سمع الجميع، والمخالفة الأخرى أنه منع عرض وتلاوة اقتراحات قُدمت من أغلبية النواب، فلئن كان النقاش غير جائز استناداً للمادة 33 من اللائحة، فلا سند لحجب اقتراحات النواب وعدم طرحها للتصويت، فالتصويت يختلف عن النقاش قولاً واحداً، وهو إشكال يلحق انتخابات الرئاسة ويصيبها بالبطلان.- كما أن رفض التصويت العلني بانتخابات الرئاسة، رغم عدم حظر الدستور له، وبيان المادة 34 من اللائحة الداخلية بجواز أن يزكي أي عضو غيره لمنصب الرئيس، وفق المادة 34 من اللائحة، لمن يرى انطباق نصوص مكتب المجلس على الرئيس، فالمادة 34 تسقط الجزم بعدم جواز العلنية، فمن حق أي عدد من الأعضاء تزكية من يرونه رئيساً، وهذا إعلان وجهر في بيان اتجاه الأغلبية لانتخاب رئيس محدد علانية، وبهذا تسقط حجة من يدّعي أن انتخابات الرئيس سريّة.
أخر كلام
تداعيات الإشكالات الدستورية لجلسة انتخابات الرئاسة
23-12-2020