كيف يمكن التعامل مع عداوة عمرها أربعة عقود ويُعتبر المفاوضون فيها من بين الأفضل في العالم؟ كيف يمكن التعامل مع حكومة تصرّ على إلقاء المحاضرات بدل البحث عن الحلول؟ إنها الأسئلة التي سيواجهها الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن قريباً حين يحاول مع فريق الأمن القومي الخاص به منع تدهور العلاقات الأميركية الإيرانية بدرجة إضافية.حتى الآن، لا يزال مؤيدو استراتيجية الضغوط القصوى مقتنعين بأن الظروف تصبّ في مصلحة واشنطن، فكل ما تحتاج إليه الولايات المتحدة برأيهم هو متابعة كبح عائدات التصدير والعلاقات التجارية الإيرانية إلى أن تصبح القيادة السياسية في طهران في أمسّ الحاجة إلى إغاثة اقتصادية وتضطر للعودة زحفاً إلى طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات كبرى، لكن تطبّق الولايات المتحدة هذه المقاربة منذ عام 2018 من دون أن تحقق نتائج بارزة باستثناء تأجيج الاضطرابات في الشرق الأوسط.
انعكست العقوبات الأميركية سلباً على الاقتصاد الإيراني طبعاً، فوفق صندوق النقد الدولي، تراجع الناتج المحلي الإجمالي في إيران بنسبة 5% هذه السنة، وانخفضت قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار الأميركي بنسبة 450% بين يناير 2018 وأكتوبر 2020، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع واستنزاف مدخرات معظم الإيرانيين، كذلك، تراجعت صادرات النفط الخام في طهران بنسبة 50% على الأقل منذ مايو 2018، حتى أن الرئيس الإيراني حسن روحاني لام العقوبات الأميركية على حرمان إيران من عائدات بقيمة 150 مليار دولار، علماً أن هذا المبلغ يساوي حوالي ثلث الاقتصاد الإيراني الإجمالي.لكنّ إعلان إفلاس إيران الوشيك بسبب العقوبات يشبه الاقتناع بأن نشر المزيد من رجال الشرطة في أحد الأحياء يعني تراجع الجرائم هناك تلقائياً، إذ لا تتعلق المسألة الأساسية بقدرة استراتيجية الضغوط القصوى الأميركية على إيذاء طهران مادياً، بل بقدرة تلك العقوبات الاقتصادية والمطالب المتطرفة على فرض صفقة أفضل بين واشنطن والإيرانيين، ونظراً إلى طبيعة الردود الإيرانية حتى الآن، يسهل أن نعتبر سياسة إدارة ترامب كارثية بمعنى الكلمة، فقد أصبح مخزون اليورانيوم المُخصّب في طهران اليوم أكبر مما كان عليه قبل بدء حملة الضغوط القصوى باثنتي عشرة مرة، وبَنَت إيران مركزاً متقدماً لأجهزة الطرد المركزي في الجبال وهاجمت منشآت نفطية في الدول المجاورة، كما أنها تُهدد بطرد المفتشين النوويين وزيادة مستويات التخصيب إذا لم تُرفَع العقوبات الأميركية والأوروبية.هذا هو الوضع الذي سيتسلمه جو بايدن في يناير المقبل، لكن ثمة بصيص نور في نهاية النفق لحسن الحظ، حيث تتعدد الأساليب التي يستطيع بايدن استعمالها للتعامل مع الإيرانيين، بعضها غريب مثل متابعة استراتيجية الضغوط القصوى، وبعضها الآخر مثالي نظرياً لكن بعيد المنال على أرض الواقع. في هذا السياق، اقترح الصحافي توماس فريدمان من صحيفة "نيويورك تايمز" استعمال ورقة الضغط الاقتصادية التي تملكها واشنطن ضد طهران للتوصل إلى اتفاق يشمل برامج إيران البالستية والصاروخية، لكن سيكون هذا الاقتراح أشبه بدفع باب مقفل، فقد أصبحت الصواريخ البالستية أكثر أهمية من البرنامج النووي في استراتيجية إيران الدفاعية. وحتى لو كانت طهران مستعدة لطرح موضوع تلك الصواريخ على طاولة المفاوضات (لا يزال هذا الخيار بعيد المنال وفق جميع المؤشرات)، لن يحصل ذلك إلا إذا أبدت الولايات المتحدة استعدادها لتقديم تنازلات أكبر، ومن المعروف طبعاً أن جزءاً من تلك التنازلات، مثل وقف بيع الأسلحة إلى منطقة الخليج، سيثير استياء الكثيرين في واشنطن. لهذا السبب، سيكون هذا الموضوع عبئاً ثقيلاً على الرئيس الأميركي بغض النظر عن هويته.* دانيال ديبيتريس*
مقالات
أبسط طريقة لتصحيح مسار العلاقة الأميركية مع إيران
23-12-2020