في لحظة محورية من حملة جو بايدن أمام الناخبين الأميركيين الفنزويليين في ميامي في أكتوبر الماضي، وصف الرئيس الأميركي المُنتخب نيكولاس مادورو بعبارة "دكتاتور بكل بساطة"، وتعهد باستمرار العقوبات الأميركية ضده، وأعلن أنه سيزيد الإنفاق على المساعدات الإنسانية لصالح الفنزويليين الذين يتحملون "معاناة هائلة".لم يكن تغيير توجهات ولاية فلوريدا كي تصوّت لمصلحة بايدن كافياً، فبعدما اعتبر الرئيس ترامب بايدن "اشتراكياً" وتوقّع أن يحوّل الديمقراطيون الولايات المتحدة إلى نسخة أخرى من فنزويلا، ساعدت أصوات الأميركيين الفنزويليين والكوبيين ترامب في الفوز في تلك الولاية.
لكن لم تحقق سياسات ترامب أي نتائج بارزة مع أنه فرض عقوبات على فنزويلا في عهد مادورو ضمن حملة "الضغوط القصوى"، واعترف بزعيم المعارضة خوان غوايدو كرئيس شرعي للبلد، وألمح في مناسبات متكررة إلى استعداده للتفاوض مع مادورو أو استعمال الجيش الأميركي لإسقاطه.
تجارة المخدرات
لا يزال مادورو يتمسك بالسلطة بكل قوة حتى الآن وهو يحظى بدعم كوبا وإيران وروسيا وجيش بلده، فقد أدت العقوبات، بالإضافة إلى مظاهر الفساد وسوء الإدارة محلياً، إلى تدمير الاقتصاد الفنزويلي الذي كان غنياً في السابق، ونتيجةً لذلك، أصبحت فنزويلا صلة وصل أساسية لتجارة المخدرات غير الشرعية التي تتدفق إلى الولايات المتحدة.في غضون ذلك، هرب ملايين الناس من البلد ويعيش الآخرون في دولة بوليسية افتراضية حيث يبلغ العنف أعلى المستويات في العالم مقابل تراجع القدرة على تلقي الأغذية والرعاية الصحية الكافية إلى أدنى المستويات.تكثيف الضغوط على مادورو
يبدو أن الخطوات التي تستطيع إدارة بايدن اتخاذها لتغيير الوضع في فنزويلا قريباً ستكون محدودة، حيث يقول المستشارون إن بايدن لا يخطط لرفع العقوبات أو توجيه اتهامات أميركية ضد مادورو ولائحة طويلة من أعوانه والمسؤولين في عهده، بل إنه يريد تكثيف الضغوط على مادورو عبر توسيع أعداد الدول التي تسعى إلى إحداث تغيير حقيقي في فنزويلا، فقد انتقد ترامب الحكومات الأوروبية لأنها لم تُضيّق الخناق على مادورو بما يكفي، ويأمل بايدن من جهته إشراك تلك الحكومات في جهود أكثر تنسيقاً لدعم معسكر المعارضة، حتى أنه أعلن نيّته توسيع البصمة الأميركية في أميركا اللاتينية عموماً.كذلك، قال مساعدو بايدن إن الرئيس الأميركي المُنتخب لن يعترف بنتائج الانتخابات التشريعية في 6 ديسمبر، أي تلك التي نظّمها مادورو لتعيين المشرّعين المحسوبين عليه واستبدال غوايدو الذي أعلن نفسه رئيساً "بالوكالة" بما أنه رئيس المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه المعارضة.حتى أن مادورو استبدل رؤساء جماعات معارِضة بموجب أمر تعسفي قبل الانتخابات، وتكثر الشائعات في كاراكاس عن إقدام شخصيات بارزة في المعارضة على بيع نفسها للنظام.قاطع غوايدو وحلفاؤه الانتخابات واعتبروها مزوّرة ودعوا الفنزويليين إلى القيام بالمثل، ثم أعلنوا أنهم سيبقون في مناصبهم بعد انتهاء ولايتهم في 5 يناير، لكن بعد سنتين تقريباً على اعتراف الولايات المتحدة وعشرات الدول الأخرى في أميركا اللاتينية بغوايدو، تلاشت شعبيته اليوم تزامناً مع بقاء مادورو في السلطة، كذلك، أصبحت المعارضة مفككة لدرجة أن تصبح أيام غوايدو كزعيم لها معدودة بغض النظر عما يفعله مادورو، ولا أحد يعرف بعد إذا كانت أي شخصية أخرى تتمتع بالدعم الكافي لاستبداله.توحيد صفوف المعارضة
ينوي بايدن التركيز في المقام الأول على محاولة توحيد صفوف المعارضة (إنها مهمة شاقة سبق أن أحبطت إدارة ترامب) لتحسين موقعها والسماح لها بمواجهة مادورو وتجديد زخمها أمام الفنزويليين المتعبين والخائبين. يجب أن يتولى الفنزويليون، لا الولايات المتحدة، التفاوض حول تنحّي مادورو برأي مساعدي بايدن.يقول قادة المعارضة من جهتهم إنهم فهموا هذه الرسالة وبدؤوا يحضّرون أجندة جديدة وهندسة مختلفة لتخفيض وجودهم الخارجي (حيث فتح غوايدو السفارات وعيّن ممثلين عنه) مقابل زيادة حضورهم داخلياً. يواجه بايدن تحديات عدة، منها اتخاذ قرار حول صوابية تحرير أموال إضافية للمعارضة من الأصول الحكومية الفنزويلية المجمّدة في هذا البلد.تعهد بايدن بزيادة المساعدات إلى الدول المجاورة في أميركا اللاتينية كتلك التي تستضيف اللاجئين الفنزويليين وبتحسين ظروف المقيمين في الولايات المتحدة، فقد كان ترامب قد قدّم دعماً شفهياً من هذا النوع لكنه رفض منحهم صفة الحماية الموقّتة التي تجعل وجودهم في هذا البلد دائماً وتنسف التهديد بترحيلهم.أخيراً، قد تؤدي خطة بايدن لتحسين العلاقات الأميركية مع كوبا (أي الانقلاب على مقاربة ترامب الذي انقلب بدوره على تقرّب إدارة أوباما من هافانا) إلى زيادة التعاون في ملف فنزويلا، لكن من المستبعد أن تتخلى كوبا أو روسيا أو إيران عن نفوذها في قارة أميركا الجنوبية، لهذا السبب قد يتفاقم الوضع قبل أن يتحسن، إذ لا تكفّ السفن الإيرانية والطائرات الروسية التي تحمل الإمدادات إلى فنزويلا عن تحدّي العقوبات الأميركية.* كارين ديونغ*