اتصفت جميع المحادثات التي أجرتها الولايات المتحدة مع إيران سابقاً بغياب دول الشرق الأوسط الأكثر تأثراً بالأعمال الإيرانية وهي إسرائيل والسعودية والإمارات والدول العربية الأخرى الواقعة على طول الخليج العربي، وقد يجادل النقاد بأن إشراك أعداء إيران التاريخيين سيحبط المساعي الدبلوماسية، إلا أنه من شبه المؤكد أن أي أمل في ضمان اتفاق طويل الأمد مع إيران وتنفيذه سيفشل من دون إدراج هؤلاء الأعداء.تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بمعاودة الانضمام إلى الاتفاقية النووية الدولية مع إيران عند توليه منصبه في يناير، لتصبح هذه الاتفاقية المعروفة بـ "خطة العمل الشاملة المشتركة" أساساً لميثاق أوسع مع طهران تهدف، كما قال، إلى دحر قدرات الصواريخ الباليستية للجمهورية الإسلامية ودعمها للميليشيات والمنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط.
غير أن نجاح خطة بايدن الأوسع نطاقاً يستدعي قيام الولايات المتحدة بتغيير جذري في هيكل الدبلوماسية التي اتبعتها مع طهران على مدى العقدين الماضيين، فالإدارات الأميركية المتعاقبة، الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، سعت خلال تلك الفترة إلى التعامل مع إيران من خلال الشراكة مع الأعضاء الأربعة الآخرين في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى ألمانيا، وهي مجموعة تُعرف باسم "الخمسة زائد واحد".صحيحٌ أن الولايات المتحدة أجرت في بعض الأحيان محادثات ثنائية، وغالباً ما كانت سرية، مع إيران، كما فعلت إدارة أوباما بشأن القضية النووية في عامي 2012 و2013، ولكن دائماً ما كان يعاد تمرير نتائج تلك المفاوضات عبر "مجموعة 5+1" التي تتمتع في النهاية بحق الفيتو على دبلوماسية واشنطن.إلّا أن جميع هذه المحادثات اتصفت بغيابٍ ملحوظ لدول الشرق الأوسط الأكثر تأثراً بالأعمال الإيرانية، وتشمل هذه إسرائيل والسعودية والإمارات والدول العربية الأخرى الواقعة على طول الخليج العربي، فجميع هذه الدول تقريباً إما انخرطت في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران في السنوات الأخيرة، أو تعاملت معها من خلال وكلائها أمثال "حزب الله" في لبنان وسورية و"الجهاد الإسلامي" و"حماس" في الأراضي الفلسطينية وميليشيا الحوثي في اليمن.وأدى غياب هذه الدول، التي تقف في الخطوط الأمامية ولها رأي في الدبلوماسية مع إيران، إلى العواقب الأخيرة المتمثلة بتعطيل عمل "مجموعة 5+1"، سواء علنا أو سراً، وبالفعل، تدّعي بعض هذه الدول أن استبعادها عن هذه العملية إنما ينم عن ذهنية الغرب الاستعمارية تجاه الدول العربية.وجدير بالذكر هنا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عارض علناً وبشدة وبشكل واضح جداً «خطة العمل الشاملة المشتركة» منذ صياغتها في عام 2015، وشنّ في سياق ذلك هجوماً مدوياً أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي في ذلك العام حدّد فيها ما وصفه بالعيوب المميتة للاتفاق.وخلال الشهر الماضي، اتهم مسؤولون إيرانيون إسرائيل باغتيال كبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زاده في ضاحية خارج طهران، ولم يؤكد نتنياهو التهمة ولم ينفها، لكنه اتهم العالِم الإيراني بقيادة أبحاث طهران السرية الجارية في مجال الأسلحة النووية، وتقول طهران إنها لم تسع قط إلى صنع قنبلة ذرية.وفي حين كانت الدول العربية أقل طلاقةً في معارضتها لـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» من معارضة إسرائيل، إلا أن أفعالها أبلغ من أقوالها في هذا المجال طبعاً.وبدأت السعودية بالوفاء بتعهدها بمضاهاة القدرات النووية التي يُسمح لإيران بامتلاكها بموجب اتفاقها مع "مجموعة 5+1"، الأمر الذي أثار مخاوف من قيام سباق تسلح نووي في المنطقة، وهو أمر مقلق طبعاً للجميع، وشمل ذلك الخطوات التي اتخذتها الرياض لتطوير دورة الوقود النووي بأكملها، والتي تتضمن تقنيات لها بطبيعتها استخدامات مدنية وعسكرية.وشعرت الحكومات الغربية بالقلق هذا العام من التقارير التي أفادت ببناء منشأة صحراوية لمعالجة اليورانيوم الأصفر، وهو مادة أولية رئيسة لدورة الوقود النووي بدعم من الصين في بلدان عربية.واللافت للنظر هنا في الدبلوماسية الأميركية مع إيران هو أنها تختلف بشكل كبير عن طريقة تعامل المجتمع الدولي مع كوريا الشمالية، وهي دولة أخرى من دول الانتشار النووي فضلاً عن كونها دولة مارقة وتثير مخاوف كبيرة في هذا المجال. وقد تابعت الولايات المتحدة الأميركية المحادثات مع بيونغ يانغ من خلال تجمّع آخر لدول "خمسة زائد واحد" ، لكنها تتكون من البلدان الأكثر تضرراً بشكل مباشر من أنشطة كوريا الشمالية المزعزعة للاستقرار، وهي كوريا الجنوبية واليابان وروسيا والصين. وكان المسؤولون الأميركيون قد قالوا منذ فترة طويلة إن الاتفاق النووي لا يمكن أن يتحقق في شمال شرق آسيا من دون دعم هذه الدول.وقد يتخذ الدور الذي يمكن أن تؤديه دول الشرق الأوسط، الموجودة في الخطوط الأمامية، في المساعي الدبلوماسية تجاه إيران، أشكالاً مختلفة، وهو لا يعني بالضرورة جلوس هذه الدول مباشرةً مع الدبلوماسيين الإيرانيين على طاولة المفاوضات للبحث عن سبل التفاوض سلمياً، وأبدت طهران رغبتها في إجراء محادثات أمنية مع السعودية والدول الأخرى في الخليج العربي، لكنها ترفض الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل رفضاً قاطعاً وتاماً.ولا بد للتقدم التاريخي الذي شهدته العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج العربية في الأشهر الأخيرة والذي كان اختراقاً كبيراً في العلاقات بين اسرائيل ودول عربية كثيرة من أن يعزز قدرة إدارة بايدن ومجموعة "5+1" على استخدام هذه الدول في دبلوماسيتها مع إيران.ووقّعت إسرائيل هذا العام اتفاقيات سلام رسمية مع الإمارات والبحرين والسودان، كجزء من "اتفاقات أبراهام" التي توسطّت فيها إدارة ترامب، وإن الرابط بين كل هذه التطورات الدبلوماسية هو المخاوف المشتركة لهذه الدول بشأن سلوك إيران في المنطقة وشعور كبير لدى هذه الدول بضرورة ردع توسع ايران في المنطقة ولجم سيطرتها العسكرية والسياسية فيها.وتتحدث إسرائيل وهذه الدول العربية بهدوء عن تشكيل كتلة إقليمية لمواجهة إيران مواجهة مباشرة ستكون قوية، على غرار "حلف شمال الأطلسي". وهذا من شأنه أن يضفي طابعاً رسمياً على التعاون الاستخباراتي والعسكري السري الذي كان مستمراً بين هذه الدول في السنوات الأخيرة، ويشكل منعطفاً كبيراً على خط مواجهة أطماع الجمهورية الايرانية في المنطقة ومحاولتها لجمع أوراق ونفوذ عبر السيطرة على السياسات الداخلية في المناطق العربية.يجب على إدارة بايدن الاستفادة من هذا التحالف الجديد من أجل الانخراط مباشرةً في المساعي الدبلوماسية مع إيران والمساهمة في صياغة نتائجها من دون أي تأخير وفي أسرع وقت ممكن، ويمكن أن يحصل ذلك من خلال التكتل الذي يقدم المشورة لمجموعة "5+1" بشأن العملية هذه وطريقة حصولها، أو من خلال الجلوس مباشرةً إلى طاولة المفاوضات.وقد يجادل النقاد بأن إشراك أعداء إيران التاريخيين سيحبط المساعي الدبلوماسية، إلا أنه من شبه المؤكد أن أي أمل في ضمان اتفاق طويل الأمد مع إيران وتنفيذه سيفشل من دون إدراج هؤلاء الأعداء. *كبير مراسلي الشؤون الخارجية لصحيفة "وول ستريت جورنال" سابقاً
دوليات
إشراك قوى الشرق الأوسط ضروري لضمان اتفاق نووي مع إيران
25-12-2020