الله بالنور: السياسة والتياسة
الألمان المفروض يتحمدون ربهم لأن برلمانهم (البوندستاغ) ما عندهم رئيس سِن مثلنا، ولا عندهم أمين عام مثل اللي عندنا!يتحمدون ربهم لأن مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل لم تحْتج الإذن منهم لترك منصب الرئاسة، ولا احتاجت أوراق تصويت مسؤولاً عنها أمين السر الذي استطاع بقدرة قادر طبع أوراق تصويت ولا واحدة تشبه الثانية، وهذه معجزة تعجز عنها مطبعة جامعة أكسفورد!المهم أن المستشارة أنجيلا ميركل قررت عدم الترشح لولاية جديدة، وتركت المنصب بعد 15 عاماً، وكانت لمدة ثلاثين عاماً عضوة منتخبة في "البوندستاغ".
هذه المرأة دخلت بهدوء وتواضع للمنصب وخرجت منه بهدوء وتواضع أكثر، علماً بأنها بحنكتها السياسية قادرة على الاستمرار؛ لأنها في عمر مناسب (66 عاماً) ومع ذلك لم تتمسك بالمنصب. لابد أن الكثير من القراء اطلعوا على سيرتها الذاتية وشهاداتها ومنها دكتوراه في علم الكيمياء الكمي (quantum chemistry)، وبعد حصولها على الدكتوراه حاولت الالتحاق بوظيفة عضو هيئة تدريس بالجامعة، لكن السلطات الشيوعية حينذاك طلبوا منها التجسس على زملائها في العمل وكتابة تقارير عن تحركاتهم كشرط لقبولها في هذه الوظيفة، فما كان منها إلا اختلاق عذر كي لا تفعل ذلك، ولم تحصل على الوظيفة.ملخص الموضوع وما لا يجوز إنكاره أن السيدة أنجيلا ميركل ترعرعت في بيئة شيوعية راسخة وصارمة إلى أن انهار جدار برلين وتوحدت ألمانيا، ومع ذلك انتخبها الشعب الألماني وقادت أكبر اقتصاد في أوروبا ورابع اقتصاد في العالم، وقادت دولة رأسمالية بعظمة ألمانيا.لم يودعها أحد، ولم تعزف موسيقى الجيش والشرطة والحرس الوطني توديعاً لها، ولم يصنعوا تمثالاً لها على مدخل "البوندستاغ" وذهبت كمواطنة تتسوق استعداداً للكريسماس، وتحسباً لحظر قد يكون شاملاً بسبب "الكورونا"، وظلت توزع الابتسامات وتسأل الناس عن أحوالهم.لم تعِبها أيديولوجيتها السياسية من دولة شيوعية إلى دولة رأسمالية، بل كانت مثار إعجاب يجب أن يتعلم منه أهل التياسة عندنا!