أعجبتني الأسئلة التي قدمها بعض أعضاء المجلس بخصوص عمليات النصب والفساد الكبرى، مثل صندوق الجيش والنائب البنغالي وغسل الأموال، ولا شك أنها في الاتجاه الصحيح والعرف البرلماني الذي يقضي بأن أعمال المجلس لا تبرئ ولا تدين ولكنها تقدم من خلال الأسئلة ولجان التحقيق كل ما يفيد السلطة القضائية في إصدار الأحكام الصحيحة، كما أنها قد تؤدي إلى كشف حقائق مهمة للنيابة إذا ما حاولت أطراف معينة إخفاءها. ولكن في المقابل لا أتفق بالمرة مع الأسئلة التي وُجهت حول سبب وأسس تشكيل الحكومة، وسبب وأساس انتخاب الحكومة لمن تريد لعضوية اللجان المختلفة، لأن هذه الأسئلة تخالف أسساً دستورية مستقرة، وفي ذلك تقول المذكرة التفسيرية للدستور: «اكتفت المادة 57 بمجرد إعادة تشكيل الوزارة على النحو الذي يرتئيه أمير البلاد، على أن يكون هذا التعيين نهائياً وغير معلق على إصدار قرار من المجلس بالثقة بالوزارة الجديدة»، وبناء على ذلك يكون تعيين الوزراء على النحو الذي يرتئيه الأمير، ويكون للأعضاء حق رقابتهم واستجوابهم وطرح الثقة بهم إذا ظهر أثناء عملهم ما يستوجب ذلك، كما صدرت في بيان هذا الأساس أحكام دستورية معروفة.
كما أرى أن مطالبة بعض النواب للحكومة بعدم ممارسة حقها بالتصويت على اللجان أو الرئاسة يتعارض مع مبدأ التوافق الذي بني عليه الدستور في تقسيم حقوق السلطات الدستورية وأمره بالتعاون بينها، وهي حقوق لابد من التسليم بها لكي يسير العمل في المجلس بانتظام واحترام صلاحيات كل سلطة منها للأخرى. وقد حمل التاريخ السياسي الكويتي الحديث أمثلة من محاولات طغيان إحدى السلطتين على الأخرى مثل تعطيل المجلس في 76 و86 ومحاولات الضغط لتعديل الدستور أثناء الربيع العربي ومحاولات تعديل صلاحيات الحكومة في الجلسات في المجلس المبطل الأول، ولكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، وعاد الجميع إلى الدستور وما فيه من التوافق والتوازن الذي وضعه الآباء المؤسسون. كما لم يعجبني استخدام بعض الأعضاء لعبارات غير لائقة موجهة إلى زملائهم بعد انتخاب اللجان ومناصبها، خصوصا أنها وردت في رسائل وكتب رسمية، وهي من الأمور التي منعها قانون اللائحة الداخلية للمجلس في مادتين هما 88 و134 حيث نصتا على: «لا يجوز للمتكلم (المستجوب) استخدام عبارات غير لائقة أو فيها مساس بكرامة الأشخاص أو الهيئات»، خصوصاً أن الأعضاء الآخرين لهم مؤيدوهم وأنصارهم مما قد يعكس أثر تلك العبارات على المجتمع بأسره، علاوة على أثره على العمل داخل المجلس، وكان على الأعضاء ترك تقييم زملائهم للناخبين ووسائل الإعلام. ولا يخفى على عضو المجلس أن اللائحة تلزم اللجان بوضع رأي الأغلبية ورأي الأقلية في تقريرها لكل موضوع، ومن المعروف أيضاً أن قرارات اللجان استشارية وغير ملزمة للمجلس، فهي بالتالي لا تعوق طرح العضو أو كتل معينة لما يشاؤون في جلسات المجلس، كما لا يخفى على العضو المتمكن أن في الدستور واللائحة الحالية الكثير من الأدوات التي تمكن العضو من ممارسة الرقابة (وحيداً) والتشريع (بأغلبية معينة) على أكمل وجه دون الحاجة إلى مخالفة نصوصهما أو القفز على التوافق الذي بنيا عليه، إذ إن الإعراض عن هذا التوافق قد لا يحقق المراد لكنه أيضاً قد يؤدي إلى أزمات البلد في غنى عنها.
مقالات
رياح وأوتاد: خطأ الإعراض عن التوافق الدستوري
28-12-2020