لماذا انقلب البيلاروسيون على روسيا؟
يكمن الخطر بالنسبة إلى موسكو في اكتشافها- بعد انقضاء زمن لوكاشينكو في بيلاروسيا- أن معارضة الاتحاد مع روسيا مسألة تتجاوز رغبة القوميين والأوروبيين المتحمسين لتشمل من يعتبرون روسيا رديفاً للقسوة والاكتئاب الناجم عن الأداء اللوكاشينكي: وهو ائتلاف كبير قد يرسل المشهد التاريخي لبيلاروسيا مستقرة وموالية لروسيا إلى غياهب النسيان.
![موسكو تايمز](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1582134693421828500/1582134705000/1280x960.jpg)
وهذا التراجع المستمرّ للمواقف المؤيدة لروسيا مختلف بشكل نوعي، فهو يحصل في ظل علاقات مزدهرة لا متوترة بين مينسك وموسكو، وما من خطابٍ عدواني يدعو لخروج روسيا من مينسك في هذه الأيام، مع إغداق الوسائل الإخبارية المؤيدة للنظام وشخصيات المعارضة على روسيا بالمديح أو تجنب انتقادها على الأقل. والحقيقة هي أن عدداً كبيراً من شعب بيلاروسيا لم يعد يعتبر لوكاشينكو وسياساته متماشياً مع المصلحة الوطنية، في حين أصبحت روسيا على خلاف مع أعداء لوكاشينكو الذين تكاثر عددهم مقارنةً بالاعوام السابقة بسبب قرار دعمها له في النزاع الداخلي. وبفضل دعم موسكو للوكاشينكو وخطاباته المناهضة للغرب يعتبر معظم مواطني بيلاروسيا الموالين لروسيا رئيسهم زعيماً لهم ما يفسر نوعاً ما عجز روسيا عن التبرؤ منه. ويتعين على ايّ قائد بيلاروسي يسعى لنيل دعمٍ أكبر مما حصده لوكاشينكو إذاً اتخاذ موقفٍ أقل تأييداً لروسيا لتفضيل عدد لا يستهان به من البيلاروسيين مبدأ الحياد، علماً أنّ عدد هؤلاء مرشح للارتفاع. وأشار نصف المستطلَعين الى أن رأيهم في روسيا ساء نتيجة دعمها للوكاشينكو، ويتجاوز عدد هؤلاء الـ80 في المئة من مؤيدي الاحتجاجات، ولا يحبّذ أكثر من 60 في المئة من المستطلَعين تدخل روسيا في الأزمة السياسية الداخلية، علماً أنّ 54 في المئة منهم من مؤيدي الاحتجاجات و51 في المئة من مؤيدي لوكاشينكو. وتكشف دراسات اجراها المعهد المستقل للدراسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية (NISEPI) في العقد الاول من القرن الحادي والعشرين والورشة التحليلية البيلاروسية أنّ ميل البيلاروسيين إلى روسيا مسألةُ قيمٍ وعواطف في حين تكون مواقفهم المؤيدة لأوروبا من منظار براغماتي. يعجب البيلاروسيون بالاتحاد الاوروبي لأنّ الحياة فيها افضل ولكنّهم يحبون روسيا لأنّها "من صلبهم" وأقرب الى قلبهم، ومع ذلك قد تستمر أزمة البلاد السياسية لعدّة أشهر، وكلّما طال تحالف موسكو مع لوكاشينكو، ازداد لوم غير الراضين عن حكم الأخير لروسيا عمّا ارتكبه من تجاوزات منذ اندلاع المواجهات في أغسطس.ولا شكّ أنّ صمت موسكو حيال سلوك السلطات البيلاروسية- التي اعتقلت عشرات الآلاف وعذبت المئات لا بل الآلاف، وقتلت خمسة متظاهرين على الاقل- يغذّي حتما هذا الاستياء، فالصدمة الجماعية العميقة الناجمة عن القمع ستؤدي حتماً الى تراجعٍ في المواقف المؤيدة لروسيا في بيلاروسيا أكثر مما فعلته النزاعات المتعلقة بالنفط والغاز. وقد تقنع صلة روسيا بقمع لوكاشينكو لشعبه سكان بيلاروسيا باستحالة أن يكون المرء ديمقراطياً ومواليا لروسيا في آن فإما أن تكون ديمقراطياً أو موالياً، وما عاد دعم الدكتاتوريات رائجاً في بيلاروسيا وقد يصحّ ذلك أيضاً في مسألة الموالاة لروسيا. وليس هناك ما يضمن بأنّ الكرملين سيغيّر مساره لعدم خسارة تعاطف الشعب البيلاروسي، وطالما نظرت موسكو للتطورات الحاصلة في البلدان المتاخمة لروسيا والاتحاد من منظور معركتها مع الغرب والمنطق الجيوسياسي الذي يعقّد مهمّة الفوز بالقلوب والعقول. ولأنّ الغرب انحاز الى المحتجين في بيلاروسيا مانحاً اللجوء لقادتهم ومعاقباً لوكاشينكو وحلفاءه، اصبح زعيم البلاد أقرب الى موسكو. حتى إن ضغطت عليه روسيا لنقل السلطة، ستكون تلك الضغوطات بسيطة لتجنب الظهور بمشهد المتنازل للعدو. يكمن الخطر بالنسبة إلى موسكو في اكتشافها- بعد انقضاء زمن لوكاشينكو في بيلاروسيا- ان معارضة الاتحاد مع روسيا مسألة تتجاوز رغبة القوميين والاوروبيين المتحمسين لتشمل من يعتبرون روسيا رديفاً للقسوة والاكتئاب الناجم عن الأداء اللوكاشينكي: وهو ائتلاف كبير قد يرسل المشهد التاريخي لبيلاروسيا مستقرة وموالية لروسيا الى غياهب النسيان.
أرتيوم شريبمان- موسكو تايمز
هناك عدد كبير من شعب بيلاروسيا لم يعد يعتبر لوكاشينكو وسياساته متماشيين مع المصلحة الوطنية