رغم تواصل التوتر العسكري بين واشنطن وطهران، قبيل الذكرى الأولى لقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني التي تحل بعد أيام، يبدو أن الاتصالات السياسية تسير باتجاه معاكس، خصوصاً بين طهران وإدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، وفق ترتيبات دولية لإعادة إحياء الاتفاق النووي.

وكشف مصدر رفيع المستوى في «الخارجية» الإيرانية، لـ«الجريدة»، أن نائب وزير الخارجية عباس عراقجي استطاع، الأسبوع الماضي، إقناع جميع أعضاء الاتفاق النووي الحاليين، أي الصين وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بضرورة عودة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى الاتفاق المبرم عام 2015، دون شروط مسبقة، مقابل أن تعود طهران لتنفيذ تعهداتها في المعاهدة، التي تُقيد برنامجها الذري، دون شروط كذلك.

Ad

وحسب المصدر، فإن المفاوضات، التي جرت الأسبوع الماضي، خلف الكواليس، بين إيران والترويكا الأوروبية، شهدت تأييد بكين وموسكو للموقف الإيراني، على أساس أن الإصرار على تغيير فحوى الاتفاق، الذي انسحب منه الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب عام 2018 أو إضافة أي بنود عليه، يمكن أن يؤدي إلى تدمير الاتفاق بشكل كامل. ورأت الصين وروسيا أن الأفضل حالياً أن يعمل الجانبان، طهران وإدارة بايدن، على تنفيذ الاتفاق النووي بحذافيره، لإثبات المصداقية وفتح المجال مستقبلاً أمام أي مفاوضات تتعلق بقضايا أخرى.

وقال إنه حسب التفاهم فإن الترويكا وعدت بأن تفاوض الحكومة الأميركية الجديدة كي تعود إلى الاتفاق النووي، وترفع العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية، وتقوم الأخيرة بتنفيذ جميع تعهداتها في الاتفاق بشكل متزامن. وأضاف أن الإيرانيين أكدوا أنهم مستعدون لفتح مجالات التعاون الاقتصادي مع جميع الدول بالتساوي، من ضمنها الولايات المتحدة، لكي يثبتوا حسن نيتهم أيضاً.

ولفت إلى أنه في حال تنفيذ إحياء الاتفاق النووي يمكن أن يفسح المجال لإبرام اتفاقات جديدة، وتفاهمات غير موثقة، في ملفات حساسة مثل تطوير طهران لبرنامجها الصاروخي، أو التعاون في حل الصراعات بالمنطقة.

وذكر أن الأوروبيين عرضوا على الإيرانيين إجراء مفاوضات جديدة لحل شامل للخلافات بالمنطقة، بعد تنفيذ الاتفاق النووي برعاية أوروبية وحضور الدول العربية الخليجية، إضافة إلى الـ 1+5، لكن الإيرانيين تمسكوا بضرورة فصل المسارات، وجددوا استعدادهم للجلوس على طاولة تقتصر على جيرانهم لحل الخلافات، دون مشاركة أطراف خارجية ستزيد احتمال عدم التوصل إلى اتفاق دون شروط.

وأوضح المصدر أن عراقجي أخبر الأوروبيين بأنه لا مانع من مناقشة إيران لموضوع تطويرها للصواريخ البالستية بعيدة المدى، أو نفوذها بالمنطقة، شريطة أن تشمل المباحثات ملف الأسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل، التي تمتلكها إسرائيل وباقي دول المنطقة (العرب وتركيا)، وبرامج جيران إيران النووية وتدخلاتهم بالمنطقة، بحيث يشمل أي تفاهم لوضع سقف للتسلح لدى الجميع.

وفي وقت تقترب إدارة بايدن من عودة غير مشروطة للاتفاق النووي، مع توليها مقاليد السلطة في 20 يناير المقبل، شدد بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، على أن إسرائيل تعارض بشدة أي عودة للاتفاق الإيراني المبرم عام 2015، مؤكداً أن «إسرائيل تعتقد اعتقاداً راسخاً بأنه يتعين عدم العودة إلى الاتفاق السيئ».

وحذر البيان من أن الاتفاق «معيب من الأساس»، واعتبر أنه «منح إيران طريقاً سريعاً مُعبّداً بالذهب لتأسيس بنية تحتية لترسانة كاملة من القنابل النووية، كما منحها الموارد اللازمة لـتصعيد عدوانها في أنحاء الشرق الأوسط بشكل كبير». وكان تقرير لـ «رويترز» أشار قبل أيام إلى أن إسرائيل وافقت مبدئياً على توسيع الاتفاق.

وجاء التحذير الإسرائيلي بعد أن حصلت رسالة تدعم خطة بايدن لإعادة الدخول في الاتفاق النووي، دون أي شروط جديدة، على 150 توقيعاً من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين، وهو ما يكفي لمنع أي محاولة جمهورية في "الكونغرس" لعرقلة الخطوة.

وتتناقض الرسالة بشكل مباشر مع مطالب جماعة الضغط الإسرائيلية "AIPAC" وآخرين لبايدن بإعادة التفاوض على الأقل حول مكونات الصفقة.