مصطفى الكاظمي والميليشيات... لا سلم ولا حرب
تنشغل أرفع الأوساط السياسية في بغداد بمواجهة متواصلة بين الميليشيات والحكومة، مما يكشف مزيداً من ضعف الدولة واختراق أجهزتها، ويعقّد مهمة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.ووصل التصعيد الكلامي حداً جعل المتحدث باسم «كتائب حزب الله ـ العراق» الميليشيا الأبرز، يهدد رئيس الحكومة في تغريدة على «تويتر» مستخدماً تعبيرات غريبة من قبيل التلويح بـ «قطع الأذنين»، مما أثار ضجة واسعة في الرأي العام واستنكاراً لبطء ردود الفعل الحكومية تجاه انتهاكات الفصائل.لكن مواقف الميليشيات بقيت غير حاسمة منذ اعتقال أحد قياداتها الميدانية بتهمة الوقوف وراء الضربات الصاروخية ضد سفارة واشنطن في بغداد.
فالمراقبون تنبهوا إلى أن حركة «عصائب أهل الحق» مثلاً، استخدمت تعبيرات الحكمة والتعقل بشكل غير معتاد، فتحركت وساطات للتهدئة، في حين قالت الفصائل، إنها لا تريد الاصطدام بحكومة الكاظمي في هذا الوقت الحرج، مكتفية بوعد بإطلاق سراح القيادي فيها.لكن لليوم الثاني على التوالي، تحاول الحكومة مقاومة الضغوط وتحتفظ بالقيادي المعتقل للتحقيق وفحص وثائق وصور قيل إنها تثبت تورط شبكته، مشددة على أنه لم يعد من الممكن السكوت عن رشقات الصواريخ على السفارات التي تهز ليالي بغداد.وحاولت وسائل إعلام مقربة من طهران، الإيحاء ليل الجمعة ـ السبت، بأن الكاظمي سيتراجع أمام تحركات الميليشيات، وسرت شائعة بأنه التجأ إلى سفارة واشنطن ليختبئ فيها، مما اضطر رئيس الحكومة إلى قيادة سيارته بنفسه والتجول في العاصمة. لكن أنصار الدولة يخشون أن تتراجع الحكومة أمام الضغوط والاختراق الكبير لصفوف قياداتها الأمنية أو خضوعها إلى تهديد الميليشيات النافذة، قائلين، إنه ليس من السهولة الوثوق بأن الكاظمي اتخذ قراراً بالمواجهة.وترجح بعض المصادر، أن الحكومة لم تتخذ قراراً بدخول مواجهة فعلية مع الفصائل، لكنها ترفع حجم الضغوط، من أجل إرباك القيادات العليا المقربة من إيران ودفعها للتدخل، بأمل تقليل الانتهاكات المنهجية التي تمارسها الميليشيات.وتشير المصادر في الوقت نفسه، إلى اتصالات مكثفة بين القيادات العراقية والجانب الإيراني للتداول بشأن ضرورة قطع إيران لدعمها الذي تستند إليه الفصائل في إضعاف الدولة العراقية، وسط معلومات حول صفقة تبحثها بغداد مع طهران منذ أشهر، تتمثل في أن العراق يقدم تسهيلات ومساعدات لإيران، مقابل تعهد الجار الشرقي بالضغط على الفصائل ليعاد تنظيم وضعها وإنهاء حالة اللادولة التي تشيع الفوضى في العراق.وتقول الأوساط السياسية، إن المواجهة بين الحكومة والميليشيات تجعل الشرعية الأخلاقية لهذه الجماعات تتناقص، خصوصاً بعد أن قام المرجع الأعلى علي السيستاني بعزل آلاف المقاتلين المتطوعين الموالين له، عن جهاز الميليشيات الرئيسي وتأكيده ضرورة ابتعاد المقاتلين عن الانتخابات والعمل السياسي والنشاط الاقتصادي.ونتيجة لهذا، تحاول بعض الفصائل منذ أيام تبرئة نفسها من عمليات «الكاتيوشا»، واتهام أطراف سياسية بافتعال القصف لتشويه سمعة «فصائل المقاومة» وزيادة الإضرار بمصداقيتها والتزامها السياسي بالتهدئة.ولفت نظر الأوساط السياسية في تغريدة «كتائب حزب الله» الأخيرة، أنه حين وصف الكاظمي بالغدر، ركّز على أن وزارة الاستخبارات الإيرانية «اطلاعات» لن تنفعه، في إشارة إلى غضب الميليشيات العراقية من حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي يقال إنه مع وزير خارجيته جواد ظريف يتصادمان مع «الحرس الثوري» في الملف الإقليمي وخصوصاً قضية العراق.