في تجربة جديدة وفريدة من نوعها، تحتفي الفنانة سماء يحيى بافتتاح معرضين تشكيليين في وقت واحد، هما "بلد المحبوب" و"حكاوي القهاوي"، إذ جرى الافتتاح أخيراً في "أتيليه القاهرة" وسط العاصمة المصرية، بحضور لفيف من الفنانين والنقاد، ووسط إقبال كبير من جانب الجمهور المتذوق للفن التشكيلي.ويستعمل المصريون كلمة "القهوة" في اللغة الدارجة بمعنى "المقهى"، وارتبط المقهى تاريخياً بجلسات المبدعين والمثقفين في مصر، ويبدو أن الفنانة أرادت استثمار هذه التيمة الشعبية المتأصلة في الموروث الثقافي والشعبي المصري، لتكون منطلقاً رئيساً لعرضها المنقسم بين معرضين؛ أحدهما بعنوان "حكاوي القهاوي"، والعنوان بالأساس مستلهم من اسم برنامج اجتماعي ثقافي، كانت تقدمه الإعلامية الراحلة سامية الإتربي في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وحظي بنسبة مشاهدة عالية، لارتباطه بعالم المقاهي وحكايات الناس المرتبطة بالموروث الشعبي. وعن هذه التجربة الجديدة، تقول سماء يحيى: "العرض الجديد ليس نوستالجيا ولا حنيناً إلى الماضي، بل حالة من التفاعل مع ظواهر وأشياء كانت تشكل جزءاً من حياتنا، المقهى كان ولا يزال جزءاً من ثقافة الشعب المصري منذ مقهى (متاتيا) الذي شهد محاضرات جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وسعد زغلول، والآن تأتي جائحة كورونا ومن قبلها غزو الكافيهات والتكنولوجيا لتقضي رويداً رويداً على ثقافة المقهى، كما حدث من قبل مع البيوت التي أصبحت تمتلئ بالأغراض البلاستيكية والكماليات التي لا ضرورة لها".وتابعت "في هذين المعرضين أحاول خلق عالمين أستعيد من خلالهما الحياة خارج المنزل في عالم كان مقتصراً على الرجال بما يهمهم، وما كان يشغلهم ويدور في أذهانهم، عالم مكشوف مفتوح وعالم آخر سري مليء بأحلام الأنوثة وعبق ودفء البيوت خلف الشبابيك والأبواب، حكاوي القهاوي وبلد المحبوب هما رؤيتي لمصر التي أحبها في لحظة راحة واسترخاء بعد يوم عمل شاق بعبقها وخصوصيتها".
النظرة العملية للفن
في حين يقول الناقد جمال القصاص، إن "سماء يحيى لا تكف في معارضها وأعمالها عن التجريب وإطلاق طاقة المغامرة، ويبدو الفن في نظرها حزمة من الأفكار والرؤى والابتكارات، تشكِّل حالة من الحوار الدائم بين ثقافات وتراثات متنوعة، ما يجعلنا أمام فنانة مشغولة بـ (النظرة العملية للفن)، فالشكل لديها لا يستوي في اللوحة من تلقاء نفسه، وإنما بقدرته على خلق نافذة للحوار مع كل هذه الأفكار على مستويي الرؤية والمضمون معاً".وأضاف القصاص أن "الفنانة تمارس التصوير والنحت واللعب على مفردات مهمشة ومهملة هي في جوهرها مجرد فتات وبقايا لحيوات كامنة في الماضي، فهي ابنة البيئة المصرية بوجدانها وطبقاتها الشعبية الخصبة، والتي لا يزال عبقها يومض في الذاكرة، كأنه وعاء لحنين قادر على أن يجدِّد نفسه في اللوحة ويمنحها فرصة لابتكار صيغٍ وأساليب وحلول فنية تدفع إلى التطوير وإعادة النظر فيما كان، وما يمكن أن يكون".ويبرز في معرضي "بلد المحبوب" و"حكاوي القهاوي" همٌّ خاص بخيوط الوصل والقطع مع التجارب السابقة للفنانة، فكلا المعرضين يشكل خلفية للآخر، مما يعني أن نقطة التحوُّل في التجربة ليست عشوائية، بل هي ابنة ضرورة، يفرضها الهم بالفن والانغماس في مخاطرته الأبعد، حيث يخرج الرسم من الإطار، لتتسع الرؤية في علاقات متجاورة ومتقاطعة، يكتمل وضوحها وتميزها في اللوحة، فالصورة لا تعيش كمعطى بصري، يترك آثاره الخاطفة في الذاكرة فحسب، بل بمقدرتها على أن تكون عنصراً محفزاً لاستيراد أشكال أخرى وبخامات متنوعة، ربما أقل هدوءاً وصخباً، وبحرفيةٍ بِكر لا تخلو من طزاجة فنية.