في رثاء الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح
قبل أيام فقدت الكويت الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، الذي التقيت به مرات عديدة في ديوانية أسرة آل الصباح لما كانت الأسرة تستقبل المهنئين في شهر رمضان المبارك، كما التقيت به في صحبة والده لما كان صاحب السمو الراحل يرد الزيارة على أصحاب الدواوين، وكان، رحمه الله، مرحاً لا تمل كلامه ولا مجلسه، ولكني التقيت به لقاء مطولا مع مجموعة مبادرة الإصلاح والتوافق الوطني في ديوان الفاضل الزميل عبدالله المفرج، وكان رحمه الله في ذلك الوقت يشغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، حيث استغرق ذلك الاجتماع أكثر من ساعتين، تحدث فيهما المرحوم عن المشاكل السياسية والاقتصادية التي تواجه البلاد، والتي يجب مواجهتها، وتحدث عن المطالب الشعبوية لبعض النواب، وما يتقدمون به من مقترحات ضارة باقتصاد الدولة، ولها تأثيرات سلبية على مستقبل الأجيال القادمة، ولكنهم يعتقدون أنها تحقق لهم مكاسب شخصية قد تساعد في إعادة انتخابهم، غير مكترثين باقتصاد الدولة الذي يعاني مشكلات كبيرة، وكان، رحمه الله، يناقش هذه المشكلات مع أصحاب الدواوين ليقوموا بدورهم للضغط على الأعضاء لتعديل سلوكهم. ثم حدد لقاء آخر لشرح مشروع مدينة الحرير وأهميته، وبالفعل التقينا بعد أسبوعين بالفريق الذي شرح لنا ذلك المشروع، واقتنعنا بأنه مشروع حيوي سيحقق لدولتنا نهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية شاملة، ويمكن الكويت من أن تتحول إلى مركز مالي وتجاري وسياحي عالمي، وهو الحلم الذي كان يسعى إلى تحقيقه صاحب السمو الراحل، وتبناه المرحوم ناصر، وسرعان ما حوله إلى مشروع متكامل جاهز للتنفيذ. وصيغ بقانون واضح لينال موافقة الحكومة والمجلس، ومن أهم مميزات ذلك المشروع أن الدولة لا تتحمل نفقاته بل سيقوم المستثمرون بالتمويل، على أن يتحرر المستثمرون من البيروقراطية والروتين المالي والإداري الممل والقاتل لكل مشروع حيوي، والذي ابتلي به نظامنا الإداري، وجعل المستثمران الكويتي والأجنبي يهربان من الكويت.
وبالفعل ما إن تقدم بالمشروع حتى بدأ الموسوسون يثيرون الشكوك والشبهات حوله، ووضعوا أمامه العراقيل لوقفه وتجميده، فمنهم من ادعى أن هذا المشروع سيؤثر سلبا في نشر قيم وأخلاق تتعارض مع قيمنا وعاداتنا الموروثة، وسيساهم في نهب ثروات الدولة. وجمد المشروع الذي أفادت الدراسات أنه سيساهم في نهضة الكويت وتقدمها وسيحقق لها موردا ماليا آخر يضاف إلى المورد النفطي، وهو هدف كانت جميع خطط التنمية تسعى إلى تحقيقه. رحمك الله يا أبا عبدالله، كنت محباً للكويت وشعبها من قلبك وضميرك، جاهدت لمحاربة الفساد والمفسدين إيمانا منك بخطورته على الوطن والمواطن، ولكن الفساد كان قويا ومتشعبا، ومن الصعوبة معرفة من يرعاه ويتبناه ويحمي المفسدين، ومنعك المرض من مواصلة جهودك، وحال الأجل بينك وبين تحقيق تلك الأماني، فسبحان من قدر لنفسه الدوام ولمخلوقاته الفناء، "كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"، "كل شيء هالك إلا وجهه"، "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبت على أعقابكم". هذا مصيرنا جميعا ولكن البشر مازالوا يحزنون على موتاهم وخصوصاً الأعزاء منهم، رحمك الله يا أباعبدالله وأسكنك فسيح جناته وأسكنك منزلة عالية عنده أفضل من المنزلة التي أعطاك إياها في هذه الحياة.