لم تعد "صاحبة الجلالة" تمتلك تلك السلطة التي يمكن من خلالها "تقويم الحال"، فبعد أن كانت وجه الناس ووجهتهم أصبحت لا تجيد أكثر من الرقص تحت سماء السلطة و"رأس المال"! فما الذي جعلها هكذا؟! وما الذي جعلها مغيبة عن كل ما له علاقة بالوطن، والمواطن؟! فبعد أن كانت تشرع الأبواب للنقد برأس مرتفع، لم تعد تستطيع حمل أكتافها، وكأنها تسير على حافة الهاوية!سنوات مضت، كانت تجيد التوازن، وتطرح الحلول، من أجل ألا نفقد الطريق، حلولا بأفكار جميلة ووعي نلتمس فيه كلاماً تقوله الروح، دون أن يكون وراء هذا الكلام فرض وصايا.. كلام يمنح القارئ عيناً ثالثة يرى من خلالها حقيقة ما يحدث، دون أن تكون هناك تسويات ملتبسة بين السطور!
وماذا الآن؟ لم يعد هناك نقد أو رؤى، أو حتى أطروحات- لدى الكثير من الصحف- بعد أن انحرفت عن مسارها، وأصبحت تقدم بعض الافتتاحيات والخطابات التي تتقيأ الخراب، من أجل مصلحة "أحدهم" أو مصالح فئوية، لأطراف لا ترى في القارئ سوى امتداد للصدى لا أكثر، وليس مهماً حتى إن استمر الخطاب في المضي نحو التيه، لا شيء مهم أكثر من غايات، الجالسين أعلى الهرم، مادام هناك من يكتب تحت ظل الآخرين، و"بأقنعة مخملية"، وأيد خاوية في حقيقتها لم تكن أيديا!صحف- الكثير منها- لا تمنح الآخرين حق النقد، إن قيل لك خفف وطء النقد، هذا قد يكون ألّا تنتقد أبداً، وليت النقد الذي يقدم من خلال الصحف، يمكن أن يلتمس جراح الناس، إنه النقد الهش، ولنقل النقد الفقاعة! تكبر العناوين، وتصغر الكلمات- التي تخفي وراءها ما وراءها- لتشعر أن ما قدم ليس سوى غوغاء، ولا تجيد أكثر من الحفر في الهواء!يكبر الجهل- في قيمة الصحافة- في معنى أن تكون صحافياً، لأن الأزمة ليست نقصا في الإبداع فقط، بل نقصاً في الوعي أيضاً، ولا تُطرح- في الغالب- سوى الأفكار التي تأتي من أزمنة ميتة، وربما بلهاء، وليتها أزمنة الأمس!لن نسأل عن متواطئين ضد الصحافة، ولسنا بحاجة أن نتصفح ونرى: من يكتب عن "الوطن" وبين أصابعه "الميكافيلية" أو مروراً بالذين يحاولون "تفريغ الوعي من محتواه" من خلال ما يكتبون... ولن ننهي السؤال بالبحث عن الذين جربوا كل أنواع الوحول، الضالعين في صناعة الكذب، لتصبح صحافة تنزف الغبار!لسنا بحاجة لإنشاء أكاديمية للأدمغة، بل لوعي أكبر.. إنها الصحافة المهنة الإبداعية، لا وظيفة العقول المهترئة، إنها "صاحبة الجلالة" صوت الناس، ليست صدى لفئات معينة، ويجب إيجاد خريطة لعودتها، على ألا تكون خريطة تجرها سلحفاة!نعلق الأمل على صحيفة هنا وأخرى هناك، كتاب هنا، وآخرين هناك، ربما تتغير الحال، قبل الوصول إلى أقصى "ذورة التدهور".. التي حولت "صاحبة الجلالة" إلى "صاحبة الجهالة"... ولا داعي أن نكمل!
مقالات
صاحبة «الجهالة»
31-12-2020