عودة الأمل في استقرار المناخ
في هذا الوقت تقريبا منذ أربع سنوات، كان مجتمع المناخ يعيش حالة صدمة، إذ بالضبط عندما بدا أن العالم على وشك اتخاذ إجراءات جادة لمكافحة تغير المناخ، اختار الناخبون في الولايات المتحدة رئيسا كان ينوي عكس مسار جميع الإنجازات المناخية التي كانت قد حققتها البلاد في وقت سابق، مما تسبب في أضرار لا حصر لها، وها نحن الآن نقترب أخيرا من نهاية تلك الحقبة القاتمة.وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، واصلت جهات عدة خارج الحكومة الفدرالية الأميركية إحراز تقدم في جهودها لمكافحة تغير المناخ، وتجاهلت حكومات الولايات، والمدن، والمؤسسات الكبرى، والشركات الكبرى والصغرى، الخطاب الرجعي للرئيس؛ واستمرت في العمل نحو مستقبل مستدام، وخارج الولايات المتحدة، عززت العديد من الدول الأخرى التزاماتها المناخية ووضعت خطط عمل ملموسة.ويضطلع الاتحاد الأوروبي بدور القيادة في هذا المجال، إذ في عهد الرئيس أورسولا فون دير لاين، اقترحت المفوضية الأوروبية صفقة خضراء أوروبية لتحقيق الحياد المناخي (صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون) بحلول عام 2050، وأعلن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في خطاب ألقاه أمام الأمم المتحدة في 22 سبتمبر، هدفا مماثلا للصين، التي تلتزم الآن بأن تكون "محايدة للكربون" بحلول عام 2060، وبالنظر إلى موقف الصين المبدئي، يمكن القول إن هذا الهدف أكثر طموحا من هدف الاتحاد الأوروبي.
وفي الولايات المتحدة، كان الرئيس المنتخب، جو بايدن، يروج "لخطة ثورة طاقة نظيفة وعدالة بيئية" تهدف إلى طاقة نظيفة بنسبة 100٪، وانبعاثات صفرية في موعد لا يتجاوز عام 2050، ولأن السيطرة على مجلس الشيوخ تعتمد على جولتين من إعادة الانتخابات التي ستجرى في جورجيا الشهر المقبل، لم يتضح بعد إلى أي مدى ستطبق خطة بايدن، ولكن في كلتا الحالتين، ستتخذ الإدارة الجديدة إجراءات للحد من الانبعاثات حيثما أمكن ذلك.كما ألزم رئيس الوزراء الياباني الجديد، يوشيهيدي سوجا، بلاده بتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، وحذت كوريا الجنوبية حذوها بعد أيام فقط، وفي جميع أنحاء العالم، يقترب العمل المناخي من قمة جدول أعمال السياسة، والآن، يجب أن نجد طريقة للمضي قدما معا لمواجهة هذا التحدي الهائل.ومع اقتراب بايدن من البيت الأبيض، ستتاح للولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين، فرصة تاريخية للتعاون بطرق فعالة ومفيدة لكل الأطراف، وستعمل استراتيجيات الحد من الانبعاثات الإجمالية في كل من هذه الولايات القضائية الحاسمة الثلاثة على تسريع التعافي من أزمة كوفيد19على المدى القريب، وتعزيز النمو على المدى الطويل من خلال التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة.ومن شأن العمل المنسق في هذا المجال ألا يوفر الأمل في استقرار المناخ فقط، بل أيضا في العلاقات الدولية بصورة عامة، إذ تعالج الولايات المتحدة، وأوروبا، والصين، باعتبارها أكبر ثلاث قوى صناعية في العالم، مسائل أساسية تتعلق بالجمع بين مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك العلاقات التجارية، والتكنولوجيا، والطموحات الجيوسياسية، وحقوق الإنسان، والأمن، ونطاق السوق الحرة. ومع ذلك، من خلال إصدار إعلانات مناخية مماثلة، أقر بايدن، وفون دير لاين، وشي، ضمنيا بأرضيتهم المشتركة، والخطوة التالية هي اعتماد هذا المجال من الاتفاق لإطلاق عملية قمة يمكن من خلالها معالجة القضايا التي تثير أكبر قدر من الجدل في نهاية المطاف، ولأن الفاصل بيننا وبين مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في غلاسكو (COP26)، عام واحد تقريبا، يجب على هؤلاء القادة الثلاثة البدء في تمهيد الطريق لعمل هادف متعدد الأطراف. وبذلك، يمكن لكل طرف الاستفادة من الإنجازات التي تبعث بالتفاؤل على مدار العقود القليلة الماضية، والآن، أصبحت التقنيات التي كانت هامشية في الآونة الأخيرة، سمات قياسية لنظام الطاقة الذي ظهر في القرن الحادي والعشرين، وسمح الانخفاض الكبير في تكلفة الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح باستخدام هذه التقنيات على نطاق واسع، كما أن أنظمة تخزين البطاريات والمركبات الكهربائية تشهد أيضا تطورا سريعا. وفضلا عن ذلك، تستخدم التقنيات الرقمية بصورة متزايدة لربط جميع المكونات اللامركزية اللازمة لاقتصاد محايد مناخيا، وتلوح العديد من التقنيات المتطورة في الأفق، بما في ذلك الخلايا الشمسية العالية الكفاءة، والطاقة الحرارية الأرضية المنخفضة التكلفة، ومزارع الرياح البحرية العائمة، والهيدروجين الأخضر، وستنضاف هذه الابتكارات إلى زخم ثورة الطاقة النظيفة.لقد لاحظ المستثمرون ذلك، ويتسابق العديد من الشركات الكبرى للبقاء في الطليعة، ولكن رغم أن الالتزامات الأخيرة للقطاع الخاص تبشر بالخير، يمكننا أن نفعل ما هو أفضل، وستكون إحدى المهام الأصعب والتي تبعث بالأمل في السنوات القادمة هي توحيد مجالات الابتكار المختلفة حتى نتمكن من توسيع نطاق استخدام التقنيات الخضراء بسرعة، ولحسن الحظ، لأن هذا الجهد سيعتمد على عمالة كثيفة، يمكن أن يصبح مصدرا رئيسا للوظائف ويخلق فرصا جديدة للتنمية الاقتصادية.ورغم أن الاتجاه الذي يتخذه العالم واضح، فإن تحركه بالسرعة التي تتطلبها أزمة المناخ ليس كذلك، لقد رأينا جميعا عناوين الأخبار حول التطورات المقلقة في القطب الشمالي والقطب الجنوبي؛ وأدت ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وذوبان الجليد القطبي والأنهار الجليدية، إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، وظهرت نقاط تحول خطيرة، فحرائق الغابات المدمرة التي اندلعت في غرب الولايات المتحدة، وأستراليا، في السنوات الأخيرة هي مجرد معاينة لما ينتظرنا، وستصبح الفيضانات المتكررة والشديدة، والجفاف، والأعاصير، وغيرها من الأحوال الجوية المتطرفة هي الوضع الطبيعي الجديد إذا أبقينا على الوضع الراهن.إن الأمل يكمن في العمل الجماعي الحازم والدؤوب، ومن خلال تسريع عملية التحول إلى الطاقة النظيفة، لن نتجنب أكثر العواقب مأساوية لتغير المناخ فقط، بل سنستفيد أيضا من هواء ومياه أنظف، ووظائف أفضل، ومجتمعات أكثر أمانا ومرونة، واقتصادات أقوى لفترة طويلة في المستقبل.وفي عالم تكتنفه الأزمات وعدم اليقين، من الأهمية بمكان أن نغتنم الفرص لاتخاذ إجراءات متضافرة عند ظهورها، إننا نعيش الآن إحدى تلك اللحظات، وسيتطلب تحقيق أقصى استفادة منها قيادة ماهرة، مدعومة بمجتمع متزايد من النشطاء، والعلماء، ورجال الأعمال، وصناع السياسات الملتزمين بالعمل المناخي الهادف، ومعا، يمكننا أن نضطلع بدور القيادة نحو مستقبل أفضل للجميع.* جولز كورتنهورست الرئيس التنفيذي لمعهد روكي ماونتن، وأندرياس كوهلمان الرئيس التنفيذي لوكالة الطاقة الألمانية (دينا)، ومؤسس مبادرة Start Up Energy Transition.