فقدت أسواق النفط الخام العالمية نحو خُمس قيمتها في 2020 إذ تسببت إجراءات العزل العام الصارمة لمكافحة فيروس كورونا في شل معظم الاقتصاد العالمي، لكن الأسعار انتعشت بقوة من مستوياتها المتدنية، إذ تقدم الحكومات تحفيزاً.

وأمس، آخر أيام التداول في 2020، انخفض خام القياس العالمي برنت ثمانية سنتات أو ما يعادل 0.2 في المئة إلى 51.55 دولاراً للبرميل وخسر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 13 سنتاً أو ما يعادل 0.3 في المئة إلى 48.27 دولاراً للبرميل.

Ad

وقال ستيفن إينس كبير استراتيجي السوق لدى أكسي، «إنه هدوء نهاية العام لكن ضعف الدولار يساهم في منع السوق من التراجع أكثر».

وزاد خاما برنت وغرب تكساس الوسيط بأكثر من الضعف من المستويات المتدنية المسجلة في أبريل، ليتخطيا عاماً شهد أول أسعار سلبية لخام غرب تكساس مما تسبب في صدمة للمستثمرين في أنحاء العالم.

وارتفعت الأسهم الآسيوية، أمس، مختتمة عام 2020 المضطرب عند مستويات قياسية مرتفعة، بعد تنامي آمال المستثمرين في تعافٍ اقتصادي عالمي، مما أدى إلى انخفاض الدولار أكثر مقابل معظم العملات الرئيسية. وأنهى الدولار 2020 في دوامة هبوطية مع مراهنة المستثمرين على أن التعافي الاقتصادي العالمي سيجتذب الأموال للأصول عالية المخاطر حتى في وقت تقترض الولايات المتحدة المزيد لتمويل عجزها المزدوج المتضخم.

وتتجه أسواق السلع الأولية العالمية لاختتام 2020 بأداء قوي، وسط تعافي الطلب وحزم تحفيز واسعة الانتشار، مما يدعم الأسعار بعد اضطراب ناجم عن جائحة فيروس كورونا.

ومن المتوقع أن يدعم طرح اللقاحات للوقاية من الفيروس ودعم مالي بتريليونات الدولارات الاستثمار والإنفاق في 2021.

وفي حين يستعد العالم لاستقبال العام الجديد، تطفو على السطح تساؤلات تتعلق بتوجهات السوق خلال العام الجديد، وهل تستمر حالة التقلبات السعرية الحادة التي شهدتها أسعار الخام خلال 2020 رغم الجهود التي يبذلها كبار المنتجين داخل أوبك وخارجها لضبط السوق؟

ويشير تقرير لصحيفة فايننشال تايمز اعتماداً على آراء الخبراء إلى وجود خمسة عوامل رئيسية تحدد توجهات أسعار الخام خلال الفترة المقبلة نستعرضها فيما يلي:

عامل الطلب... نبأ سار ولكن!

دائما كان الطلب أحد المحركات الرئيسية لأسواق النفط العالمية، وهو العامل الذي تضرر بشدة في خضم جائحة كورونا مع إجراءات الإغلاق التي اتخذتها الحكومات حول العالم لمواجهة الفيروس القاتل وما تبعه من تعطل الأنشطة الاقتصادية.

وتشير توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى أن متوسط الطلب على النفط خلال العام الحالي سيشهد أكبر قفزة سنوية على الإطلاق، لكن مستويات الطلب لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الجائحة مع استمرار تطبيق الإجراءات الاحترازية ولو بصورة جزئية في عديد الأنشطة الاقتصادية حول العالم. وتتوقع الوكالة أن يرتفع الطلب على الخام العام المقبل بنحو 6 ملايين برميل يومياً إلى 96.9 مليون برميل يومياً وهو الرقم الذي يظل دون مستويات ما قبل الجائحة وبالتحديد في 2019 والبالغة نحو 100 مليون برميل يومياً.

ويشير تقرير الصحيفة إلى أن الخسائر تأتي بسبب ثلاثة عوامل رئيسية هي تراجع الطلب على وقود الطائرات وانخفاض حركة الشحن البحري وتراجع النشاط التصنيعي.

عامل المعروض... مشهد معقد

وانتقالاً إلى الجانب الآخر لمعادلة العرض والطلب، فإن معروض الخام في الأسواق العالمية سيكون عنصراً حاسماً أيضاً في تحديد مستقبل أسعار الخام. وتسبب انهيار الأسعار خلال العام الماضي في انخفاض حاد بالاستثمارات في القطاع وضربة موجعة لقطاع النفط الصخري الأميركي مع انخفاض معدل إنتاج النفط بالولايات المتحدة إلى نحو 11.3 مليون برميل يومياً خلال العام الحالي مقارنة مع 12.3 مليون برميل في 2019.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع الإنتاج خارج أوبك خلال العام الحالي بنحو 500 ألف برميل يومياً بعد تراجعه بنحو 2.6 مليون برميل خلال 2020، ويبقى أحد العناصر الحاسمة في زيادة المعروض من خارج أوبك هو التوجه الذي تتخذه شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة إذا ما واصلت الأسعار ارتفاعها فوق مستويات 50 دولاراً للبرميل، بحسب ما ذكره تقرير الصحيفة. ويقول بيجورنر تونهاغن المحلل لدى Rystad Energy للصحيفة «صمود مكاسب الخام واستمرار ارتفاعها والحفاظ على المكاسب الحالية يظل محل تساؤلات».

أوبك وحلفاؤها... كلمة السر

وحينما كانت الأسواق تتضرر بشدة بفعل تبعات الجائحة وحرب أسعار قصيرة الأمد، كانت لأوبك بقيادة السعودية الكلمة العليا في أسواق النفط، إذ أسهمت السياسة التي انتهجتها الرياض في عودة الاستقرار إلى السوق مع وضع معايير جديدة للالتزام بخفض الإنتاج كانت أحدث محصلتها تخطي معدلات الالتزام حاجز 100 في المئة خلال نوفمبر الماضي.

وفي أبريل الماضي، كان قرار أوبك بخفض نحو 10 في المئة من الإنتاج العالمي عاملاً حاسماً في تغيير وجهة الأسعار فيما تبقى من شهور العام وتماسكها رغم تضرر الطلب بفعل الجائحة.

ويشير تقرير الصحيفة إلى أن استمرار التآزر بين «أوبك» وكبار المنتجين خارج المنظمة سيضفي المزيد من الاستقرار على أسواق النفط العالمية خلال 2021، لكن مخاوف من اندلاع حرب أسعار جديدة تبقى قائمة إذا ما أخل المنتجين خارج أوبك بالتزامهم.

وقالت مذكرة بحثية صادرة عن RBC Capital Markets إن مخاوف تجدد حرب الأسعار تطغى على معنويات المستثمرين في السوق.

وتابعت المذكرة» أن إعادة التوازن إلى السوق يعتمد كلياً على قرارات أوبك+».

العوامل الجيوسياسية... إيران في المشهد

ومع انتخاب إدارة أميركية جديدة، فإن العوامل الجيوسياسية ستؤدي دوراً مهماً في استقرار الأسواق النفط العالمية مع تقارير حول إمكانية تغير السياسة الأميركية حيال طهران في زمن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن وهو ما يعني عودة النفط الإيراني إلى الأسواق مرة أخرى. ويشير تقرير الصحيفة إلى أن تخفيف العقوبات الأميركية على طهران يعني عودة نحو مليوني برميل يومياً إلى الأسواق ما سيلقي بظلاله على معادلة العرض والطلب. ويتابع التقرير أن التوترات السياسية في بعض كبار الدول المنتجة في إفريقيا وأميركا اللاتينية من شأنه أيضا أن يلقي بظلاله على أداء الخام خلال 2021.

التكرير... القطاع المنكوب

ويبقى الطلب من معامل التكرير الكبرى محركاً رئيسياً لأسعار الخام خلال العام المقبل في وقت تضرر فيه القطاع بشدة خلال العام الجاري، ففي الوقت الذي نجحت فيه أوبك وحلفاؤها في دعم أسعار الخام فإن الخيارات المتاحة لمعامل التكرير كانت ضئيلة مع انحسار واضح في الطلب على منتجاتها.

ويشير تقرير الصحيفة إلى أن حالات الإغلاق الكلي قد تستمر في عدد كبير من معامل التكرير العالمية خلال العام الحالي وعلى الأرجح في أوروبا مع تغير في أنماط الاستهلاك، ولكن النبأ السار هنا هو لشركات التكرير المتبقية والتي ستواصل العمل مع تحسن متوقع في هوامش ربحيتها.