رحمة عناب: ربط بداية المرحلة الشعرية بتاريخ معين ليس سهلاً
كرست السردية التعبيرية عبر ديوان «وراء هذا الغموض... تتكور قناديلي راعشة»
بين فجيعة الغياب وقسوة الحضور، لا يملك القارئ الفكاك من أسر قصائد الشاعرة الفلسطينية رحمة عناب، ورغم أن ديوانها "وراء هذا الغموض... تتكور قناديلي راعشة"، يعد الأول في مسيرتها الأدبية، لكنه يكرس صوتاً شعرياً يحمل طاقة إبداعية هائلة، ويكرس أيضاً مصطلح السردية التعبيرية، الذي تقول عنه «هو السرد الذي تتعظّم فيه طاقات لغوية تتناوب ما بين اللغة التعبيرية، والتجريدية، ولغة المرايا، واللغة الهامسة»... حول المزيد من الآراء والتفاصيل أجرت "الجريدة" معها هذا الحوار من القاهرة:
● كيف كانت بداية دخولك إلى عالم الإبداع الشعري والأدبي؟
- ربط بداية المرحلة الشعرية بتاريخ معين ليس سهلاً، إذ كنت ألهو في عالمي الخاص خلال مراحل التطور الإنساني ما بين الدراسة وغيرها، لكنّ الكاتب أو الشاعر يبدأ الكتابة والتعبير عن هواجسه بمفرداته الفنية بناءً على الواقع العام، وردة فعل إجهاشاته الداخلية، وما يتراكم في عمقه لتلك الوقائع، بحيث يخرج عن حدود القيد الزمني. فيمكنني القول، إنّ أول ما أسميه خربشاتي، كانت قد بدأت في فترة ما بعد الدراسة الجامعية متمثلة بالخواطر، انتقلت بعدها لمحاولات شعرية نثرية حرة، وكانت تتأجج وتخبو من حين لآخر, وبدأت بنحت الملامح الأولى لمرحلة الوعي بقدراتي اللغوية والشعرية، والتي عززتها الشبكة العنكبوتية، كما أنّ هذا الفضاء الأزرق ساهم في فتح بوابات كثيرة، عرّفتني على شخصيات، وشجعتني بشكل ممنهج على المستوى في هذا المجال، فإن يجد الانسان نفسه وسط العذابات والغربة، لابد أن تتحرك في أعماقه ما تختزنه الذاكرة، وتتأجج المشاعر المكبوتة، ويعلن الصرخة المدوية، هو أيضاً العشق للجمال والنقاء والمحبة والخير، مَن أشعل في أعماقي تلك الجذوة التي كانت خابية في الأعماق.
قناديل راعشة
● وما أطروحات ديوانك "وراء هذا الغموض... تتكور قناديلي راعشة"؟
- هذا الديوان، قصائده تنتمي إلى القصيدة السرديّة التعبيريّة، وهو الشكل الشعري لقصيدتي، هو السرد الذي تتعظّم فيه طاقات اللغة، ويكون الخيال الدكتاتوري حاضراً وبقوة، لغته عظيمة في انزياحاتها المبهرة، وتوالد صوره المدهشة، وبزخم شعوري عنيف، فيكون تعويلاً كاملاً على إيقاع اللغة للارتقاء بها، وخلق لغة جديدة مستفزة، لغة تتناوب ما بين اللغة التعبيرية، واللغة التجريدية، واللغة العرفانية، ولغة المرايا، اللغة الهامسة، إنّ لغة هذا الديوان لغة عظيمة، وهذا ما أشار اليه أكثر من ناقد، وجميع قصائد هذا الديوان هي قصائد أفقية، وعلى شكل الكتلة الواحدة، وأغلبها جاءت على شكل الفقرة الواحدة.السردية والترجمة
● تتعدد المدارس الأدبية والشعرية، فما المدرسة التي تنضوين تحت لوائها؟
- الآن انا أنضوي وبإخلاص إلى السرديّة التعبيريّة والتي أعتقد بأنّها المستقبل.● جارٍ ترجمة ديوانك إلى اللغة الاسبانية، هل الأدب المترجم يعكس الصورة واضحة؟
- الترجمة مهمة جداً بالنسبة إلى الشاعر، فمن خلالها يستطيع أن يوصل صوته وإبداعه الى العالم، وبالتأكيد إنّ الأدب المترجم سوف يبعث رسالة واضحة للمجتمعات الأخرى، شرط أن تكون الترجمة ترجمة أدبية صحيحة، تتناسب مع ما موجود في الديوان، علماً بأنّ لي الكثير من القصائد تُرجمت إلى اللغة الإنكليزية إضافة الى اللغة الإسبانية.القضية الفلسطينية
● ماذا يميز أدب الداخل عن أدب المنفى الفلسطيني، وأيهما الأقدر على التعبير عن الأزمة الفلسطينية؟
- لست ممن يملكون الحق في التمييز بينهما، لكن بما أنني ابنة الوطن، أقيم فيه وأسمع وأرى بوضوح أحداثه من تطورات وانتكاسات، أكون أكثر قدرة على تصوير الواقع الحقيقي الملامس لتبعات الاحتلال من معاناة وارهاصات القضية. ولا بدّ أن أشير هنا إلى أنّ الشاعر الفلسطيني في الداخل تحزّ عنق أحلامه غربتان؛ غربة خارجيّة وهي الاحتلال وغربة الذات الشاعرة الداخليّة، فهو يحمل منفاه المحتل أمام عينه داخل وطنه وما أقساه من شعور أن تكون في وطنك مغرّبا. هذا الترواح الشديد الوطأة على النفس يخلق روحاً شاعرة قلقة بحاجة أن تفجّر مكنوناتها بلغة على قدر الرسالة الموجهة أقدر على التقاط اللحظة الشعرية وتصوريها على أتمّ وجه.أما أدب المنفى، برأيي المتواضع فيكون مضمون الصورة الغربة و المنفى والبحث عن الوطن، فنرى الحنين الى الماضي، والموسيقى الشعرية، التي تكون مؤثرة، كما أنّ شاعر المنفى يرسم وطنه بأجمل حالته، لأنّه وطن ابتكره في مخيلته، ولم يره على أرض الواقع، فكل شيء متخيّل يكون أجمل.● هل نجحت القصيدة الفلسطينية في التعبير عن مستجدات القضية؟
- قضية الفلسطيني السياسية والإنسانية على حد سواء، تمكنه من امتلاك الحسّ الإبداعي السياسي، فنجد الأم، الأب والحبيب كثيراً ما يعبرون عن الوطن، فالوطن حاضر وبقوة، والكتابة الإبداعية هي المأوى والملاذ للنفس من كل ذلك التشظي والشتات.ثقافة المبدع
● هل الإبداع الجيد مشروط بدرجة ثقافة المبدع؟
- يقول ألبير كامو: "الثقافة هي صرخة البشر في وجه مصيرهم"، فالمشروع الثقافي هو ما يحدث التوازن الفكري الإنساني، فللثقافة دور مهم في صقل الموهبة، وهي المخزون المعرفي الذي يتكيء عليه المبدع.● من أكثر الشعراء الذين تأثرت بهم؟
- أتأثر بكل جميل، فأشرع نافذة العقل ليدخلها نسيم التنويع، فقرأت وتأثرت بشعراء كانوا قد أبدعوا على مرّ الزمان، فقرأت للمتنبي، ومحمود درويش، وسميح القاسم، ونزار قباني، وأحمد دحبور، وفدوى طوقان. كما تأثرت بالكثير من شعراء القصيدة السردية التعبيرية وكان من أهمهم الشاعر العراقي كريم عبدالله الذي كان الداعم الأكبر لمنهجي الشعري، وتابعني ومكنني من القول وثبّت ثقتي بكتاباتي بإخلاص لأتعاطى الكتابة.● هل هناك مشاريع سترى النور قريباً؟
يوجد ديوان قصائد مشتركة بيني وبين الشاعر العراقي كريم عبدالله، بعنوان (الزنبقة البرتقاليّة) وهو مترجم إلى اللغة الإسبانية، ومن ضمنه قصائد تُرجمت إلى اللغة الإنكليزية، وسيرى النور قريباً، وهذا الديوان هو تجربة فريدة من نوعه، لأنه يعتمد على القصيدة المشتركة، كذلك هناك ديوان مشترك سيتم إطلاقه قريباً بعنوان (صهيل الأخيلة) مع نخبة من شعراء من المغرب العربي خصوصاً ليبيا الشقيقة.القاهرة - محمد الصادق
الكتابة الإبداعية مأوى للفلسطيني وملاذ للنفس من التشظي والشتات
تأثرت بشعراء القصيدة السردية التعبيرية وأبرزهم كريم عبدالله
تأثرت بشعراء القصيدة السردية التعبيرية وأبرزهم كريم عبدالله