ترامب لا يخطط لمهاجمة إيران
بلغت التوقعات المرتبطة باحتمال أن تهاجم الولايات المتحدة إيران ذروته مع اقتراب انتهاء ولاية دونالد ترامب، إذ يُعدّد المعسكر الذي يلوّح بوقوع حرب وشيكة مجموعة أدلة لدعم مخاوفه: لقد مرّت سنة منذ أن أصدر ترامب أمراً بشن ضربة جوية لاغتيال قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" الإيراني الذي تلطخت يداه بدم الأميركيين، حين كان على طريق مطار بغداد، وخلال مكالمات هاتفية مع رئيس العراق ورئيس الحكومة العراقية، هدّد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بتنفيذ تحركات عسكرية إضافية ضد الميليشيات المدعومة من إيران داخل العراق إذا لم تبذل الحكومة العراقية جهوداً إضافية لاحتوائها بنفسها، وفي المرحلة اللاحقة، يقال إن ترامب سأل كبار مستشاريه عن الخيارات العسكرية لكبح برنامج إيران النووي، وأطلقت القوات الجوية الأميركية طائرات "بي-52" فوق الخليج العربي.لكنّ المعسكر الذي يحاول تصوير ترامب كمسؤول متهور يجازف بخوض الحروب مُتّهم بانتقاء الأدلة التي تدعم فكرته وتهاجم خصومه. لنراجع تاريخ ترامب: هو يفتخر بعهده لأنه أول رئيس أميركي لا يخوض الصراعات مع أي بلد منذ جيمي كارتر ومن المستبعد أن يفسد سجله خلال الأسابيع الأخيرة من عهده، وفي يونيو 2019، حين أسقطت إيران طائرة أميركية بلا طيار، قيل إن ترامب وافق على شن ضربة مضادة لكنه عاد وسحب موافقته، حتى أنه أقال وزراء الدفاع بعد تصادمهم مع البيت الأبيض على خلفية رغبته في تسريع الانسحاب من الشرق الأوسط وإفريقيا وأفغانستان. قد يمهّد التلويح بشن ضربات دقيقة لإخراج حاملات الطائرات من حدود الخليج العربي الضيقة بهدف إضعاف التهديدات التي تطرحها القوارب الصغيرة والصواريخ والألغام الإيرانية، لكن يبدو أن حاملات الطائرات الأميركية أو السفن الهجومية البرمائية تبقى في نطاق إيران.
لنقارن بين مواقف استعراض القوة اليوم و"عملية ثعلب الصحراء" الهجومية التي أطلقها بيل كلينتون في 1998 ضد العراق: شملت هذه العملية حاملة الطائرات "يو إس إس إنتربرايز" والمجموعة الهجومية البرمائية "يو إس إس بيلو وود"، فضلاً عن ضربات جوية من طائرات "بي-52" انطلاقاً من جزيرة "دييغو غارسيا" وطلعات جوية انطلقت من مدارج طيران في سلطنة عمان والكويت.يبلغ حجم إيران أربعة أضعاف العراق، لكنّ تعامل الولايات المتحدة اليوم مع خيار استعمال القوة لا يعكس التدابير المطلوبة لمجابهة دفاعات طهران الجوية وإبطال تدابير القيادة والتحكم الإيرانية، وبالتالي من الأصعب التعامل مع البنى التحتية النووية والصاروخية في طهران. قد يكره التقدميون سياسة ترامب تجاه إيران، لكنّ إقدامهم على التكلم عن وجود تأهب عسكري مع أن الواقع مختلف بالكامل سيؤجج المخاوف الحزبية ويمنع معالجة التحديات الحقيقية التي تطرحها طهران على واشنطن.