سعى الباحث والأكاديمي محمد جاسم المحميد إلى تقديم تفسير واضح "لتلك الظواهر"، وتأثير الفكر الديني الأصولي على المواطنة والعيش المشترك والحريات. رسالة الماجستير نالها الأكاديمي المحميد من جامعة القديس يوسف- اليسوعية في بيروت عام 2020، وبإشراف د. وليد حمود ورئيسة لجنة المناقشة د. رولا تلحوق، والدكتورة لبنى حيدر عضوة المناقشة.
وضع الإطار العام للدراسة من خلال استعراض التاريخ السياسي والديني والإجتماعي، وهذا يتطلب النظر في عوامل المكان الجغرافي والبيئي، والنسيج السكاني والظرف التاريخي للمنطقة، وما شهدته الحقب الزمنية الماضية، مع التوقف عند رصد ملامح ظهور الفكر الديني في منطقة الخليج العربي بمنتصف القرن الماضي وبدء تشكل الحركات الإسلامية في الكويت، عبر تيارات مختلفة المذاهب والفكر، وصولاً إلى سبعينيات القرن الماضي وما عرفته البلاد والمنطقة بالصحوة الإسلامية. ترافق ذلك مع قيام نظام ديني في إيران وتغيير موازين القوى الدينية السياسية في الإقليم، مقابل مشروع أصولي متشدد تشكل في السعودية.
الأسئلة الصعبة
أهمية الدراسة تكمن في مدى "إبقاء متانة دستور دولة الكويت والحفاظ على مواده المعنية بحماية الحقوق والحريات" في ظل انتشار الإسلام السياسي والأيديولوجيات. تعددت الأسئلة التي دارت حول مضمون الدراسة، ومنها: هل استطاع الإسلام السياسي بعد دخوله مجلس الأمة فرض أيديولوجيته بسن تشريعات أو تغيير مواد بالدستور؟ هل هناك حماية دستورية تجاه أي تشريعات تعارض مواد الدستور بشأن الحريات؟ وهل تم تشريع قوانين لحماية المواطنة وتفعيل مواد الدستور تجاه الحريات وحدودها؟دراسات سابقة
واجهت صاحب الرسالة صعوبات، من بينها تزامن وقت بداية توثيق الرسالة مع بدء انتشار "كوفيد 19"، مما أعاق حركته واتصالاته، بعد أن تعطلت الحياة في الدولة والمجتمع. ومن العوائق الأخرى ندرة المصادر والمراجع التي تتناول بعض جزئيات موضوع الرسالة. أشار إلى دراسات سابقة طرقت العلاقة بين الإسلام والسياسة في الكويت، ومنها دراسة دكتوراه لـ كارين لحود عام 2010 جرت مناقشتها في باريس، ودراسة "الحركات الإسلامية السنية... الشيعية في الكويت" للدكتور على فهد الزميع عام (1988)، وأيضاً دراسة محمد عبدالقادر الجاسم عام 2007 حول شرح القانون الدستوري، وعرض مقارن مع دساتير عربية، وكتاب د. شفيق الغبرا بعنوان "دراسة في آليات الدولة والسلطة والمجتمع".3 تيارات
قدم الباحث عرضاً تضمن نظرة تاريخية لنشأة دولة الكويت والتشكل السكاني العرقي والديني والثقافي بمراحله الزمنية المختلفة على أراضيها، وعرض تطور الحياة السياسية والديمقراطية، بعدها تم تسليط الضوء على أبرز التيارات الدينية في الكويت؛ بداية تكونها وتكوينها، وحدد ثلاثة تيارات: الإخوان المسلمون، السلفية وتفريعاتها، الشيعة الإمامية ومدارسها، منذ نشأتها كجماعات دينية عقائدية واجتماعية، إلى حين تشكل أيديولوجيتها التنظيمية السياسية وتحويلها إلى حركات إسلامية سياسية وطنية.تجنيس المسيحيين
حول الإجابة عن السؤال: هل استطاع الإسلام السياسي فرض أيديولوجيته داخل مجلس الأمة بسن تشريعات جديدة؟ يقول: بعد الرجوع إلى مجلس 1973، وصولاً إلى عام 2012، وجد أن الإسلام السياسي تقدم عبر محاولات النواب لتعديل المادة الثانية من الدستور وبمجالس متعاقبة، لكنه لم ينجح في ذلك.وعن منع تجنيس غير المسلمين في مجلس 1981، فقد اتضح من خلال الاطلاع على قرار تعديل قانون أحكام الجنسية الكويتية "هيمنة الأفكار الدينية المنغلقة على التشريع البرلماني"، وتأييد عدد كبير من نواب المجلس غير المنتمين إلى التيارات الإسلامية لهذا الفكر.أما في مسألة منع الاختلاط فقد نجح التيار الإسلامي في مجلس 1996 بتمرير قانون منع الاختلاط والتعليم المشترك، وتم التصويت عليه وإقراره، وفي مجلس عام 2000 نجح الإسلاميون بتمرير مواد في القانون الخاص بإنشاء الجامعات الخاصة والتقيد بعد الاختلاط.وكذلك جرى إدخال تعديلات على مواد في قانون الجزاء بحيث تتحول الكويت إلى دولة دينية تقام بها الحدود الشرعية بغلو وانغلاق. وبحسب ما تبين للأكاديمي المحميد، فقد ظهرت سيطرة التعصب الديني على السلطة التشريعية والتأثير على أغلبية النواب والمتحالفين مع التيارات الإسلامية.تفاوت وعدم «عدالة»
وفي إطار السؤال عن وجود "عدالة" و"مساواة" تجاه دور العبادة وإقامة الشعائر والوظائف الحكومية، بما يتوافق مع التعددية الدينية والمذهبية، يؤكد البحث وجود الحرية كدعامة للمجتمع في جانبها الديني، سواء بالمعتقد أو بإقامة الشعائر الدينية، لكن لا تتوافر "العدالة والمساواة" فيهما، فهناك تفاوت في أعداد دور العبادة، بما لا يتناسب مع التعددية الدينية والمذهبية والتمييز في الحقوق الوظيفية التي كفلها الدستور.الخلاصات الخمس
انتهى الباحث الكويتي محمد جاسم المحميد إلى مجموعة خلاصات، من أهمهما: 1- حملت الحركات الدينية المتمثلة بالإسلام السياسي، حين دخلت مجلس الأمة، برامج لا تناسب المجتمع الكويتي وتناقض الدستور، ولم تكن قادرة على المشاركة الديمقراطية الحقيقية لإدارة المجتمع. 2- نظر الإسلام السياسي الكويتي إلى الديمقراطية كوسيلة من الوسائل المتاحة لتحقيق المشروع الديني وهدفهم السيطرة على السلطة التشريعية والتنفيذية، وهم يرفضون مبدأ الحاكمية الشعبية أو سيادتها. 3- الفشل في التحول إلى "دولة دينية" مردُّه الصلابة ومتانة المشرع الدستوري، الذي كفل الحق في الطعن بعدم دستورية القوانين ومراسيم القوانين واللوائح، وإن لم يتقدم أصحاب المصلحة المباشرة بالطعن، سواء من مواطن مسيحي كويتي أو مواطن شيعي كويتي، فقد ضمن الدستور "دولة القانون وتعدديتها" وكان بمثابة صمام الأمان لدعامات المجتمع. 4- رغم الصراع الطويل بين الإسلام السياسي والدستور، ما يقرب من أربعين عاماً، مازالت الكويت دولة قانون تحافظ على نهجها الديمقراطي، ومفهوم الدولة المدنية. 5- الأيديولوجيات الدينية، رفعت نسبة التمايز المذهبي والديني، وتحولت الكويت إلى ساحة مواجهة فكرية ودينية، وأثبتت الممارسات أن تلك الأيديولوجيات لا تناسب الحياة الديمقراطية في الكويت، حتى لو تمت إضافة الطابع الوطني لها. في الخاتمة وضع الباحث جملة توصيات تتمثل في: إصلاح منطومة التعليم الديني، والالتزام بمبدأ التعددية والحريات الأساسية في المعتقد والفكر والرأي والبحث العلمي، والأهم اعتبار المواطنة ركيزة أساسية ببنيان دولة القانون، وغير ذلك من المراجعات. وهو يعيد التأكيد على أن الهدف من دراسته، ألا يبقى الدستور في يوم مجرد كتاب مهجور، فهو مشروع دولة متكاملة وليس مدونة أو مجرد نص، لذا لا يوجد هناك اختيار بين الدين والوطن، كما لا يوجد انتقاء بين الحرية والكرامة، وحيث تكون حقوق وكرامة وحرية ومصالح الإنسان فثمّ شرع الله.