عن المليار الذهبي وكورونا
شاع بين الناس ومنذ زمن ليس بقريب مصطلح أثار لغطاً كثيراً بين أوساط العامة من قبل نخبة المجتمعات ألا وهو مصطلح "المليار الذهبي" وفي إشارة دالة إلى صفوة الكوكب من العالم الأول والمقدرة أعدادهم بمليار نسمة، والتي ستؤول إليهم الأمور كصفوة الأرض. تبلورت الفكرة الأصلية لنظريات "المليار الذهبي" من جراء كتابات المفكر الاقتصادي الإنكليزي "توماس مالتوس" في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، والذي ركز على أهمية توفير المؤونة من المحاصيل الزراعية وتوزيع الثروات بشكل عادل لسد الحاجات الأساسية بين الناس، وهنا طبعاً أوضح بأن النظرية المالتوسية الرجعية التي تعطي الجشع الإنساني غطاء بحجة عدم توافر المؤونة بسبب تزايد نسبة تعداد السكان بتطور هندسي (1، 2، 4، 8، 16، 32) أما الموارد لغذائية فهي تتزايد بنسب (1، 2، 3، 4) وهكذا. وهذا إن دل فهو يدل على الغطاء الذي يضفيه البعض على الاستغلال الموجه إلى الأرباح من بعض الطفيليين الذين مازالوا يتبرقعون بمثل تلك الحجج إلى يومنا هذا، وعليه تطورت تلك الاصطلاحات والكلمات الدالة، إلى أن شملت مفاهيم جديدة على مر الأزمان، ليدخل فيها مفهوم توفير (وأحيانا توزيع) الثروات الطبيعية من فحم ومعادن وغيره، وألا يكون الاحتكار لمثل تلك الموارد من القلة القليلة دون بقية شعوب الأرض. لا شك أن الإمبريالية بأدواتها من استعمار واستحواذ على أصول وموارد ورؤوس أموال قد ساهمت وبالشيء الكثير في ما يتعلق بتعزيز تلك المفاهيم التي تدعم نظرية "المليار الذهبي"، ومن بعد تدشين المصطلح بالأدب الروسي واستخدامه للمرة الأولى على صيغته الحالية، أتى القائد الثوري "ڤلاديمير لينين"، وسلط الضوء على أبرز مفاهيم التصفية وانقسام العالم إلى طبقتين (واحدة تملك وأخرى لا) إثر استغلال مواردهم بصورة بشعة.
وعلى أثر توصيف الرفيق المناضل (لينين) لمسألة رأس المال المالي وظهور العلاقة العفنة بين الرأسمالية والإمبريالية في شيء أشبه ما يكون بالاحتكار الحاصل في لعبة "المونوبولي" لدى البنوك والعصب الصناعية حول العالم (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، ڤلاديمير لينين، دار التقدم موسكو، كُتب في 1917). ومما لا شك فيه أن تمركز الإنتاج في بؤر معروفة ومحدودة النطاق على مستوى العالم الآن والمصحوب بتطور مهول وسريع (وأحياناً مرعب) للتكنولوجيا، يعزز تلك المفاهيم التي تؤدي إلى انقسام واضح، وتولد هاتين الطبقتين (إحداهما تملك والأخرى لا)، كما أن طفيلية، وبلا شك، (أحياناً مزاجية) تلك الرأسمالية لها ما لها من أدوات تعزز التصفية واستغلال موارد الطبقات المستعمرة والمعدومة. ولنا هنا وقفة للرد على من توقع أن فيروس كورونا المستجد كمرض، لا تبعاته الاقتصادية التي كشفت عن الكثير من المستور وتساقطت إثرها أوراق التوت، هو إحدى تلك الأدوات المستخدمة في تصفية المعدومين في كل بقاع الأرض ليستحوذ على مواردهم. أولئك الصفوة من النخب الذهبية، ومن بعد الأدلة القطعية والدراسات التحليلية الأخيرة (وإن كانت متفرقة على مدى الأسابيع ولم تشر بوضوح إلى الآن للحيوان الناقل إلى البشر) إلا أن تلك الدلالات توضح أن كورونا عمل من أعمال الطبيعة ووسيلة دفاع الكوكب الأزرق الذي نعيش عليه لحماية نفسه من استغلال وتخريب لبيئته الطبيعية. ومن بعد إفصاح شركة "فايزر" عن مكونات لقاحها الذي يخلو من أي مكون يثير الريبة، عرفنا كما كنا نعرف بوضوح أن العدو الأول كان وما زال هو الجشع والاحتكار والطفيلية الاستغلالية للرأسمالية التي تنخر في هذا العالم. فكما أشار الباحث الروسي "ألكساندر تشوماكوف" مؤخراً في ورقته المعنونة بـ"المليار الذهبي" إلى أن في مطلع القرن الحادي والعشرين المتسم بالصراع الاقتصادي، حظي سدس سكان العالم فقط من أميركا الشمالية وأوروبا واليابان بما يقدر بـ80% من مدخول العالم بمتوسط يفوق الـ70 دولاراً أميركياً في اليوم الواحد لكل فرد، وفي الجهة المقابلة يحظى 57% من سكان العالم في الدول الفقيرة ما يقارب الـ6% من مدخول العالم ككل بمعدل يقل عن الـ2 دولار أميركي للفرد الواحد. وفي الوقت نفسه، يحصل ما يقارب المليار ومئتي مليون نسمة على معدل الدولار وأقل أيضا من العملة الأميركية في اليوم، وذلك كي لا ننسى أن التناقض مازال موجوداً في صلب المفاهيم الرأسمالية التي بحاجة ماسة الى وجود "الزبائن" للبضائع لزيادة المشتريات والقيمة السوقية للبضائع. العدو وأهم أداة لتصفية البسطاء كان ومازال النظام الاقتصادي الرأسمالي، وإن كان مهترئاً إلا أنه ما زال يحصد من النفائس الشيء الكثير، ولا أدري إن كان سيبقي على مليار أم لا، ولكني أتوقع أن تنهض الشعوب و"تصحصح" ضده في القريب العاجل. على الهامش: الجوع والفقر مازالا يحصدان روح طفل كل خمس عشرة ثانية حول العالم!!