قبل ساعات قليلة من اجتماع "الكونغرس" الأميركي، أمس، لإضفاء الطابع الرسمي على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن على خصمه الجمهوري دونالد ترامب، اقترب الديمقراطيون من الهيمنة على الكاملة على مقاليد السلطة في واشنطن، بعدما عززوا سيطرتهم على البيت الأبيض ومجلس النواب بفوزهم التاريخي الأول بانتخابات مجلس الشيوخ في جورجيا المحافظة تقليدياً.

وفي خطوة حاسمة لبداية ولاية بايدن الأولى بكل مقومات السلطة، أفادت شبكات "سي إن إن" و"سي بي إس" و"إن بي سي" بأن قس أتلانتا الديمقراطي رافاييل وارنوك هزم السيناتورة الجمهورية كيلي لوفلير، وطبع اسمه في التاريخ كأول أسود ينتخب في هذه الولاية الجنوبية.

Ad

ولاحقاً، أعلن المرشح الديمقراطي جون أوسوف أنه حقق المفاجأة بفوزه على السيناتور الجمهوري المنتهية ولايته ديفيد بيردو بالمقعد الثاني لجورجيا، مؤكداً أن ذلك سيمنح بايدن السيطرة على المجلس.

وقال أوسوف، في بيان نشرته قنوات التلفزيون، "جورجيا، شكراً جزيلاً على الثقة التي أوليتها لي. يشرفني دعمكم وتقديركم وثقتكم وأتطلع لخدمتكم".

ونجح الديمقراطيون المدفوعون بفوز بايدن في جورجيا وهو الأول منذ 1992، في حشد ناخبيهم، خصوصاً الأميركيين من أصل إفريقي، وهو مفتاح أي نصر لهم.

وإذا تم تأكيد فوزه رسمياً، فسيصبح جون أوسوف (33 عاماً) أصغر سيناتور ديمقراطي منذ انتخاب بايدن عام 1973. بالتالي، سيحصل الديمقراطيون على 50 مقعداً في مجلس الشيوخ، وهو عدد مماثل للجمهوريين. لكن كما ينص الدستور، سيكون لنائبة الرئيس المستقبلية كامالا هاريس سلطة تحديد الأصوات، بالتالي ترجيح كفة الميزان إلى الجانب الديمقراطي.

إهانة قاسية

ومثل أداء الديمقراطيين في هذه الولاية الجنوبية، إهانة قاسية للحزب الكبير القديم. وإذا تأكد النصر المزدوج، فإن الجمهوريين، بعد خسارتهم البيت الأبيض، سيخسرون أيضاً مجلس الشيوخ.

وهذه النتائج تمثّل أيضاً نكسة جديدة لترامب، الذي ما زال يرفض الإقرار بهزيمته، وأدى لجوؤه إلى إطلاق نظريات مؤامرة بشأن تزوير الانتخابات إلى نتائج عكسية إلى حد كبير، وفقاً للبعض في معسكره.

وفي حين اعتبر بايدن، الذي سيصبح في أقل من 3 أسابيع الرئيس الـ46 للولايات المتحدة، أن "كل شيء يحدد اليوم"، حذّر ترامب من تزوير نتائج جورجيا مع تزايد حظوظ الديمقراطيين للفوز بالأغلبية والهيمنة على واشنطن.

جلسة «الكونغرس»

وفي أسبوع مزدحم ومليء بالتحديات، اجتمع "الكونغرس" بغرفتيه برئاسة نائب الرئيس مايك بنس في وقت مبكر أمس، لتسجيل تصويت الناخبين الكبار بشكل رسمي لمصلحة بايدن (306 مقابل 232).

وإن كانت نتيجة هذا الإجراء الدستوري، الذي عادة ما يكون مسألة شكلية بسيطة، ليست موضع شك، فإن ترامب الساعي لإبطال نتائج الانتخابات أضفى على هذا اليوم طابعاً خاصاً، ويحاول فعل المستحيل لمنع "الكونغرس" من المصادقة على فوز بايدن.

وشدد ترامب على أنه على "اتفاق تام مع نائب الرئيس بأن لديه كل الصلاحيات ولديه خيارات عدة وفق الدستور، ويمكنه إلغاء التصديق على النتائج وإرسالها إلى الولايات لتغييرها وإعادة تصديقها أو إعادتها إلى مجلس النواب، ليجري التصويت على اختيار الرئيس مباشرة".

وكتب ترامب: "الولايات تريد تصحيح أصواتها، والتي تدرك الآن أنها تستند إلى مخالفات وتزوير، وكل ما على مايك بنس فعله هو إعادتها (النتائج) إلى الولايات. ونحن سنفوز. افعلها يا مايك، هذا هو وقت الاستبسال!".

وكشفت مصادر مطلعة، أن بنس أطلع ترامب أنه لا يستطيع حجب مصادقة "الكونغرس" على فوز بايدن، مشيراً إلى أن جهات خارجية تقول إنه يستطيع فعل ذلك، لكنه أخبر من قبل المكتب الاستشاري في البيت الأبيض بأنه لا يملك مثل هذه السلطة، وعليه أن يلتزم بمهامه الرسمية.

وبحسب شبكة فوكس نيوز المقربة من ترامب، فإن نجله إيرك هدد الجمهوريين الذين لن يساندوا الطعن في نتائج الانتخابات في جلسة "الكونغرس" بإنهاء مشوارهم السياسي.

بايدن وبوش

وامتنع بايدن، الذي تعتبر الرهانات كبيرة لجدول أعماله التشريعي إذا فاز الديمقراطيان الاثنان، عن التعليق على هذا الضغط غير المسبوق، وألقى خطاباً أمس عن الاقتصاد.

إلى ذلك، قرر الرئيس الجمهوري السابق والوحيد الذي ما زال على قيد الحياة، جورج دبليو بوش حضور حفل تنصيب بايدن ونائبته هاريس في 20 يناير، مؤكداً أنه وزوجته "ينتظران بفارغ الصبر العودة إلى الكابيتول لحضور مراسم أدائهما اليمين الدستورية".

وشدد المتحدث باسم الرئيس الثالث والأربعين للولايات المتّحدة، فريدي فورد، في تغريدة، على أنّ "مشاهدة الانتقال السلمي للسلطة هو سمة مميّزة لديمقراطيتنا لا تتقادم أبداً".

وهنأ بوش في 8 نوفمبر بايدن على فوزه في الانتخابات، أي غداة إجماع كبريات وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية على أنّ المعركة حُسمت لمصلحته.

ويومها أصدر بوش بياناً قال فيه، إنه "على الرّغم من خلافاتنا السياسية، أعلم أنّ جو بايدن رجل صالح فاز بفرصته لقيادة بلادنا وتوحيدها".

وتلبية لنداء ترامب، تتقاطر حشود من أنصاره منذ يومين على العاصمة الفدرالية. ورفع قسم من هؤلاء لافتات كتب عليها "أوقفوا السرقة"، العبارة التي يتّخذونها شعاراً لهم منذ صدور نتائج الانتخابات.

واستبقت المتاجر في وسط واشنطن التظاهرة المرتقبة بتثبيت ألواح خشبية كبيرة على نوافذها خوفاً من حصول أعمال شغب. ولم تخف شرطة العاصمة قلقها من حدوث أعمال عنف، لاسيّما من جماعات يمينية متطرفة، وقد حذّرت من أنّها ستعتقل أيّ شخص تجد بحوزته سلاحاً.

وتزامناً مع جلسة التصويت، دعا ترامب أنصاره إلى "المجيء باكراً" إلى ساحة إيلليبس الواقعة جنوب البيت الأبيض للمشاركة في "تجمّع أنقذوا أميركا"، قبل أن يعلن أنّه سيلقي خطاباً في لهم بواشنطن في يوم المصادقة رسمياً على هزيمته أمام بايدن.

الاختراق الكبير

من جهة أخرى، خلصت أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى أن روسيا هي "على الأرجح" مصدر الهجوم الإلكتروني الواسع الذي استهدف وكالات حكومية ومسؤولين كباراً في ديسمبر.

وتتناقض هذه الخلاصة التي توصل إليها مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ووكالة الأمن القومي والوكالة المسؤولة عن الأمن الإلكتروني وأمن البنية التحتية (سيزا)، مع موقف ترامب الذي اتهم الصين بأنها وراء عملية القرصنة التي طالت برامج الحكومة وآلاف الشركات الخاصة.

وقالت أجهزة الاستخبارات الأربع، في بيان مشترك، إن التحقيق خلص إلى أن "خصماً، قد يكون من أصل روسي، مسؤول عن معظم عمليات قرصنة الشبكات الحكومية وغير الحكومية التي اكتشفت أخيراً، ونعتقد في هذه المرحلة أنها كانت ولا تزال عملية تجسس"، وليست محاولة لتخريب بنى تحتية". وتابعت "نتخذ كل الإجراءات اللازمة لتقييم حجم هذه العملية والتصدي لها".

وبدأ الهجوم في مارس حين استغلّ المقرصنون عملية تحديث لنظام "سولار ويندز" للمراقبة الذي طورته شركة في تكساس، وتستخدمه عشرات آلاف الشركات والإدارات حول العالم. واستمرت العملية عدة أشهر قبل أن تكشفها في ديسمبر مجموعة "فاير آي" للأمن المعلوماتي التي وقعت هي نفسها ضحية هجمات إلكترونية.

ومن بين الوزارات المستهدفة، الخارجية والتجارة والخزانة والأمن الداخلي، فضلا عن المراكز الوطنية للصحة، وفق ما قال مسؤولون، مشيرين إلى خشيتهم من أن الهجوم طال وزارات أخرى أيضا.

في غضون ذلك، وقّع ترامب أمراً تنفيذياً يحظر التعامل مع 8 تطبيقات صينية "تهدد الأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة"، مؤكداً أنه يجب اتخاذ إجراءات للتصدي لبرامج وتهديدات الحزب الشيوعي الصيني.