إخراج الحكومة من مدارات النَّحس
وصلت العلاقة بين الحكومة والمجلس حد القطيعة، فالحكومة لم تستوعب التغيير الجذري الذي حكم الشارع الذي ترسخ في يقينه فشل الحكومة المزمن والشامل، وعدم وجود أي مقدمات أو حِراك من جانبها لحلحلة الوضع المتحجر منذ عقود، وعدم التفات الحكومة الى كل النُّذُر التي أسفرت عنها بحدة حقبة كورونا وتهاوي أسعار النفط وتآكل أو خواء الاحتياطي العامن وإمكانية العجز في الموازنة، وبالأخص باب المرتبات والأجور إضافة إلى بند الدعوم، ناهيكم عن أزمة التعليم، والصحة، والسكن، وارتفاع نسبة البطالة وبقاء البطالة المقنعة التي تبلغ 60% وعدم ملامسة خلل التركيبة السكانية.في هذه الظلال القاتمة لهذه الأزمات والمعضلات نجد الحكومة تدور في حسابات تنتمي إلى مدارات أخرى، ومنخرطة في رهانات بائسة أجهضت معها كل مظاهر التفاؤل، وباتت تحركات الحكومة تحكمها بوصلة شريرة تتجه إلى تأبيد بقاء الفساد والفاسدين وتجذير التخلف والتراجع وعدم الاستماع إلى صوت العقلاء والمخلصين.كان الواجب أن تأتي حكومة على قاعدة برنامج عمل يستبطن كل الحلول والبرامج التي تقلب الأوضاع رأساً على عقب ولا ترتهن إلا للمصلحة العامة، فلا تقيدها مصالح تجار الشركات اللاهثة وراء الاستحواذ أو ملّاك العقارات وتجار الإقامات الذين يعرقلون تعديل التركيبة السكانية، ويقفون ضد إدخال الشركات العالمية لتنفيذ المشاريع السكنية وشل الخصخصة الرشيدة.
كان يفترض أن تشرِّع الحكومة الأبواب على مصاريعها لمنظمات المجتمع المدني وأصحاب الأفكار والمشاريع التي تضع المجتمع على سكة تنويع مصادر الدخل وحقن القطاع الخاص بالعمالة الكويتية، وتوجيه الإنفاق نحو تطوير التعليم وفق أحدث المنظومات لاستدامة وجود فرص العمل. وأن يكون تحت مسؤولية الحكومة فقط وزارات الأمن والعدل والمالية بعد خصخصة كل قطاعات الإنتاج ومراقبة أداء القطاع الخاص وفق خطط وسياسات المجتمع، فيكون هناك جهات رقابية محترفة تراقب التعليم والصحة والمواصلات وغيرها من الخدمات وفق المعايير الدولية، ومدى تحقيقها للأهداف التي يتضمنها برنامج عمل الحكومة وخططها العامة.أين الحكومة واهتماماتها ونشاطاتها من كل ذلك؟ بل على العكس الحكومة انهمكت في تعميق الهوة بين الواقع وهذه الطموحات.فحتى المشكلات الصغيرة مثل تطاير الحصى في الشوارع الذي يرجم به الفاسدون والفَشَلة كرامة المواطن لم نجد أي تحرك تجاهه مع أنها قضية لا تتضارب فيها المصالح، فهي ترجم وتهين الجميع!! إذاً لابد أن يكون هناك هاجس يلتهم وعي وإرادة الحكومة ويجعلها تغرق في غيبوبة اللا فعل في حقول التطوير والإصلاح، هذا الهاجس يتمثل بالسيطرة على القرار في البرلمان، لذلك كان زخم تحركها في مجال رئاسة المجلس ولجانه متضخما لتحجيم المعارضة.وكان أمام هذه الحكومة تحجيم المعارضة والمجلس تحجيما صحياً عن طريق هجوم الإصلاح بما يفوق قدرة أعضاء مجلس الأمة على تصوره، ويفوق توقعات الشعب الكويتي، فتحرق المراحل عبر استنفار طاقات المجتمع، فتختصر الطريق نحو تحقيق الإصلاح والتطوير في كل المجالات.