أولاً وأخيراً: قمة العلا تعيد المياه لمجاريها
القمة الخليجية التي عقدت في محافظة العلا السعودية والتي أطلق عليها خادم الحرمين قمة صباح الأحمد وقابوس بن سعيد تقديراً لدور الزعيمين الكبيرين الراحلين في تأسيس وتطوير مجلس التعاون نجحت في إذابة الجليد وحلحلة الأزمة العصيبة التي عصفت بدول مجلس التعاون منذ أكثر من ٣ سنوات، وتسببت في إغلاق الحدود وقطع العلاقات، وأحدثت أضراراً كبيرة بشعوب دول الخليج الذين تربطهم أواصر الأخوة والمودة والنسب لتأتي هذه القمة المباركة وتطوي صفحة هذا الماضي الأليم وتعيد المياه إلى مجاريها وتظهر البسمة على وجوه العائلات التي فرقتها الحدود التي أغلقت بين الأشقاء في فترة الغضب والجفاء.وأرسلت قمة العلا رسالة للعالم أجمع مفادها أنه مهما بلغت الخلافات في البيت الخليجي الواحد إلا أنه بالحكمة والمحبة يمكن تجاوز كل ذلك والعبور إلى بر الأمان، وأن العلاقات بين دول الخليج قوية ومتجذرة، وما يجمع شعوبها وقادتها أكثر بكثير مما يفرقهم، وأنهم سيظلون إلى الأبد في وحدة وتكاتف وتعاون، وسيواجهون كل من يحاول التفرقة بينهم، أو يزرع بذور الفتن والشقاق فهم على قلب رجل واحد في السراء والضراء.
ورغم أن قمة العلا قد حلت معظم الخلافات بين أطراف الأزمة الخليجية فإننا يجب أن نكون أكثر واقعية، فهناك نقاط لاتزال تحتاج إلى نقاش واتفاق وهناك دول من الرباعية لديها مطالب وتحفظات، وبالتالي فإن الرهان في المرحلة سيكون في قدرة الجميع على بناء جسور الثقة والعمل على إزالة الأسباب والمبررات التي أدت إلى نشوب الخلافات واحترام كل دولة للأخرى، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والتعاون والتنسيق لمحاربة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي تمثل خطراً على الجميع، وكذلك الوقوف ضد أطماع بعض الدول الإقليمية التي تعمل لحساب أجنداتها الخاصة، وفي الوقت نفسه يجب إتاحة المجال لكل دولة في مجلس التعاون أن يكون لها سياستها الخارجية المستقلة وتحالفاتها التي ترى فيها تحقيق مصالحها بشرط عدم الإضرار بباقي الأطراف.وفي هذه اللحظات التاريخية نتذكر بكل الفخر والاعتزاز الدور الكبير الذي قامت به الكويت التي كانت رأس الحربة في المصالحة بقيادة سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، ومن بعده أكمل المسيرة سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد حفظه الله ورعاه، حيث واصلت الكويت جهودها الحثيثة لحل الأزمة الخليجية وترميم الشرخ الكبير الذي أصاب مجلس التعاون وعملت بكل طاقتها للم شمل البيت الخليجي لم تكل ولم تمل ولم تيأس من التعقيدات والصعوبات والتعنت الذي كان يواجهها أثناء المفاوضات الشاقة بين أطراف الأزمة، ظلت تعمل في صمت وبنوايا خالصة إلى أن تكللت جهودها بالنجاح، وتمت المصالحة، وتحققت الأماني المنشودة، فتحية تقدير للقيادة السياسية على هذا الإنجاز التاريخي ونأمل أن يسود الحب والاحترام بين جميع الدول الخليجية والعربية وألا يكون للخلافات مكان بينهم.