تعهد مشرعون بإجراء تحقيق في كيفية تعامل الشرطة الأميركية حول مبنى الكابيتول (مقر الكونغرس) مع الاختراق العنيف للمبنى، متسائلين عما إذا كان عدم الاستعداد قد سمح للحشود باحتلال المبنى وتخريبه. وصرحت زوي لوفغرين، النائبة الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا، ورئيسة لجنة إدارة مجلس النواب، بأن الاختراق "يثير مخاوف أمنية خطيرة"، مضيفة أن لجنتها ستعمل مع قادة مجلسي النواب والشيوخ لمراجعة تعامل الشرطة واستعدادها مع الحشد العنيف الموالي للرئيس دونالد ترامب.
واستخدمت الشرطة وأنصار ترامب مواد كيميائية مهيجة، خلال احتلالهم لمجمع الكابيتول، الذي استمر لساعات، قبل أن تتمكن الشرطة من إجلائهم. وأجبر الحادث المشرعين على الاختباء تحت مكاتبهم وارتداء أقنعة الغاز، بينما حاولت الشرطة دون جدوى تطويق المبنى. وقال رئيس شرطة العاصمة الأميركية واشنطن، روبرت كونتي، إن أربعة أشخاص لقوا حتفهم، بينهم امرأة أصيبت بالرصاص، وثلاثة أشخاص آخرين عانوا من "حالات طوارئ طبية" على علاقة بالاختراق. وقالت الشرطة إن 52 شخصاً اعتقلوا، بينهم 26 على أرض مبنى الكابيتول. وأضاف كونتي إن 14 شرطياً أصيبوا.وقالت فال ديمينغز، النائبة الديمقراطية عن ولاية فلوريدا، وهي قائدة شرطة سابقة، إن "من الواضح بشكل مؤلم" أن شرطة الكابيتول "لم تكن مستعدة لهذا اليوم. اعتقدت بالتأكيد أنه كان من الممكن أن يكون لدينا استعراض أقوى للقوة، وأنه كان من الممكن اتخاذ خطوات في البداية للتأكد من وجود منطقة مخصصة للمتظاهرين على مسافة آمنة من مبنى الكابيتول".وفي مقابلة مع قناة تلفزيون "إم إس إن بي سي"، قالت ديمينغز إنه يبدو أن الشرطة كانت تعاني نقصاً شديداً في الموظفين، مضيفةً أنه "لا يبدو أن لديهم خطة عمل واضحة للتعامل حقاً مع آلاف المتظاهرين" الذين نزلوا إلى مبنى الكابيتول، بعد شكاوى ترامب بشأن "انتخابات مزورة".وشرطة الكابيتول الأميركية هي وكالة إنفاذ القانون الفدرالية المتخصصة في حماية أعضاء الكونغرس ومبانيه، إذ تملك 1900 ضابط، بحسب موقعها على الإنترنت.ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن السلطات الفدرالية خططت للتعامل مع الاحتجاجات أمام مقر الكونغرس، بحضور أمني صغير نسبياً، وهو ما أسفر عن اقتحام أنصار ترامب المقر بسهولة.وقال المسؤول التنفيذي المتقاعد من مكتب التحقيقات الفدرالي، ديفيد غوميز، إن شرطة الكابيتول "لم تكن مستعدة للحجم الهائل من المحتجين"، مشيرا إلى أن وكالات إنفاذ القانون الفدرالية الأخرى كانت بطيئة في الاستجابة.وأضاف غوميز: "كان هناك احتمال أن يكون ذلك احتجاجاً كبيراً، لكنه لن يتجاوز الحواجز. وبمجرد أن فعل المتظاهرين ذلك، شعر موظفو إنفاذ القانون بالارتباك، ولم يتمكنوا من الاستجابة بالسرعة المطلوبة".وفي وقت سابق، توقع مسؤولو وزارة الدفاع أن يكون 350 شخصا من عناصر الحرس الوطني بالعاصمة كافيين لدعم شرطة واشنطن خلال الاحتجاجات.لكن بعد اقتحام المبنى، أعلنت وزارة الدفاع أنها استدعت 1100 جندي آخر من الحرس الوطني في العاصمة.وأظهرت أشرطة الفيديو بعض أنصار ترامب يتسلقون جدران السور الداخلي للكابيتول، للالتفاف على الحواجز الأمنية، كما قام البعض الآخر بتحطيم إحدى النوافذ الكبيرة التي تسلل منها المتظاهرون الى داخل المبنى. وفي فيديو آخر، ظهر المحتجون وهم يواجهون أحد عناصر الشرطة غير المسلح، والذي لم يتمكن سوى من الفرار من أمامهم على أدراج المبنى دوراً وراء دور.وأظهرت الصور بعض المتظاهرين مسلحين بعبوات من الرذاذ، وآخرين يرتدون أزياء عسكرية مثل السترات والقبعات الواقية، كما حمل آخرون دروعاً بلاستيكية كبيرة تستخدمها عادة شرطة مكافحة الشغب.
أخطر الثغرات
وقال مسؤولون حاليون وسابقون في مجال إنفاذ القانون إن حصار الكونغرس، يمثل واحداً من أخطر الثغرات الأمنية في التاريخ الأميركي الحديث، إذ حوّل واحداً من أبرز رموز السلطة الأميركية إلى بؤرة للعنف السياسي.وفي حين أن أحداثا مثل تنصيب رئيس جديد تنطوي على تخطيط أمني تفصيلي من جانب أجهزة أمنية عديدة، فقد قال المسؤولون إن التخطيط كان أقل بكثير لمهمة حماية الجلسة المشتركة لمجلسي الكونغرس للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية.وحدثت تلك الثغرة، رغم علامات تحذيرية صارخة على احتمال وقوع أعمال عنف من جانب أنصار ترامب المتشددين، بعد أن ألهبت مشاعرهم اتهاماته عن سرقة الانتخابات وأمله في عرقلة تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن.وفي البداية، تولت التصدي للمتظاهرين بالكامل قوة شرطة الكابيتول المؤلفة من 2000 فرد، والمخصصة لحماية حرم الكونغرس الواقع على مساحة 126 فداناً.ولأسباب لا تزال غير واضحة، لم تصل أفرع أخرى من أجهزة الأمن الاتحادية الضخمة بشكل واضح قبل ساعات، بينما حاصر مشاغبون المقر.وترددت تهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي بأن احتجاجات مؤيدة لترامب يجري التخطيط لها قد تتطور إلى أعمال عنف. وقال مسؤول كبير إنه رغم هذه المخاطر لم تطلب قوة شرطة الكابيتول دعما مسبقا لتأمين المبنى من الأجهزة الاتحادية الأخرى، مثل وزارة الأمن الداخلي.ولم يتم تعبئة تعزيزات الحرس الوطني التي استدعاها رئيس بلدية المدينة لأكثر من ساعة، بعد أن اخترق المحتجون الحواجز الأمنية.وضباط شرطة الكابيتول مدربون على إبعاد المحتجين عن درجات السلم الخارجي الرخامية لحماية المجمع، وكأنه قلعة.لكن تيرانس جينر، الذي كان قائدا لشرطة الكابيتول وأصبح فيما بعد أكبر المسؤولين عن إنفاذ القانون في مجلس الشيوخ، قال إن العديد من النوافذ والأبواب في المجمع المبني في القرن التاسع عشر يتعذر الدفاع عنها.ومع تدفق مجموعات من المشاغبين على قلب مؤسسة الحكم شوهدوا على الكاميرات وهم يتجولون بحرية عبر القاعات التاريخية، البعض يتأرجح من شرفة وآخرون ينهبون مكتب نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، بل ومنهم من جلس على مقعد رئيس مجلس الشيوخ.والتقط مصور لـ"رويترز" صورة لمشاغب يرفع علم القوات الكونفدرالية في الحرب الأهلية الأميركية وهو يتجول داخل الكونغرس.وقال جينر: "عندي ثقة كبيرة في الرجال والنساء الذين يحمون الكونغرس. لكن من الضروري أن تحدث محاسبة كاملة".وعزا نواب داخل المبنى الفشل الأمني التاريخي إلى عدم الاستعداد للحدث. وقال النائب الديمقراطي فيسنت جونزاليس: "أعتقد أن الشرطة أدت مهمة رائعة في ظل الظروف، لكن من الواضح أنه لم يحدث تخطيط كاف".وكان عدد من الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس ممن أقلقهم احتمال وقوع أعمال عنف قد حاولوا لأكثر من أسبوع الضغط على الأجهزة الحكومية، للحصول على ما تعرفه من معلومات عن التهديدات وإجراءات التصدي لها.وقال مصدر إنه لم يظهر أي مؤشر على أن أحدا يجمع معلومات جادة عن احتمال وقوع اضطرابات أو يخطط للتصدي لها.وقال مسؤول كبير بجهاز اتحادي من أجهزة إنفاذ القانون مطلع على التخطيط لحماية المواقع الاتحادية الأخرى، بما فيها المنطقة التي تحدث فيها ترامب، إنه ذُهل لأن شرطة الكابيتول لم تستعد بشكل أفضل.وأضاف: "لم يكن يجب أن يحدث ما حدث. فقد كنا جميعا نعلم مقدما أن هؤلاء الناس قادمون وأول عناصر عمل الشرطة هو أن تكون موجودة. قوة شرطة الكابيتول هي في الأساس قوة حراسة، ولذا من الصعب فهم سبب عدم استعدادها بشكل أفضل".ومنذ سنوات، تنعقد جلسات وتُرفع تقارير عن تحديات تأمين الكابيتول، فقد قال جينر إنه اقترح في 2013 إنشاء سياج يطلق عليه بوابة الكابيتول، لمنع مثل هذا الاعتداء الواسع.وأضاف أن الاقتراح لم ينفذ، لأن أعضاء الكونغرس أرادوا الحفاظ على حق الشعب في الوصول الى الكابيتول، ورفضوا أن يبدو المجمع وكأنه حصن.