بعد مغامرة غير محسوبة العواقب قد تكلفه مستقبله السياسي، خضع الرئيس الجمهوري دونالد ترامب أمس للأمر الواقع، واعترف بهزيمته لأول مرة، متعهداً بنقل السلطة بشكل منظم لخصمه المنتخب جو بايدن، في تنازل تزامن مع تخلي أغلب الجمهوريين عن ترامب وانضمامهم إلى خصومهم الديمقراطيين في المطالبة بعزله والتحقيق في تحريضه على غزو واقتحام مبنى الكونغرس بصورة فوضوية ارتقت إلى محاولة انقلاب لا مثيل لها في التاريخ الأميركي.وفي إقرار واضح بهزيمته عقب ليلة دامية اقتحم فيها أنصاره مبنى الكابيتول ونشروا الفوضى والذعر وأثاروا صدمة في أميركا والعالم، كتب ترامب، في بيان: «حتى لو كنت أعارض تماماً نتيجة الانتخابات، والوقائع تدعمني، سيكون هناك انتقال منتظم في 20 يناير»، مضيفاً: «إنها نهاية واحدة من أفضل أولى الولايات في تاريخ الرئاسة، لكنها مجرد بداية معركتنا من أجل أن نعيد لأميركا عظمتها».
وفي ختام يوم قد يكون كارثياً لمستقبل ترامب السياسي، صادق الكونغرس على انتخاب بايدن رئيساً، في آخر مرحلة قبل تنصيبه، في عملية شكلية، حوّلها أنصار الرئيس الجمهوري إلى أزمة غير مسبوقة منذ أحرق البريطانيون مبنى الكونغرس خلال حرب 1812. وبعد رد اعتراضات عدد من النواب الجمهوريين، أعلن نائب الرئيس مايك بنس، الذي تمرد في اللحظة الأخيرة على ترامب ورفض دعوته لعكس النتائج، المصادقة على فوز بايدن، مؤكداً أن نتيجة تصويت الهيئة الناخبة صبّت في مصلحته بأصوات 306 من كبار الناخبين مقابل 232 لترامب.ومع تراجع الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ عن الاعتراض على فوز بايدن، عكفت حكومة ترامب بتكتم على بحث مسألة عزله، بموجب التعديل الـ 25 للدستور، استناداً إلى عدم أهليته، وأنه بات «خارج السيطرة وغير قادر على تحمّل أعباء منصبه».
وكتب جميع الأعضاء الديمقراطيين في اللجنة القضائية بمجلس النواب، في رسالة إلى بنس، أن «استعداد ترامب للتحريض على العنف والاضطرابات يتطابق مع هذا المعيار»، مشددين على أنه «مريض عقلياً وغير قادر على التعامل مع نتائج الانتخابات وتقبّلها».وفي ظل توسع قائمة الاستقالات لتشمل قيادة مجلس الأمن القومي وموظفي البيت الأبيض، أيد عدد متزايد من المشرعين الجمهوريين ومسؤولين بالإدارة عزل ترامب قبل تنصيب بايدن.وسدّدت مشاهد اقتحام أنصار ترامب مقر الكونغرس ضربة قاسية لصورة الولايات المتحدة كمنارة للديمقراطية، فأثارت صدمة وذهولاً للحلفاء الذين جددوا إيمانهم بانتصار الديمقراطية رغم الاعتداء عليها، محملين ترامب شخصياً مسؤولية إشعال النيران، في وقت سارع خصوم واشنطن، ومعظمهم من الدول شبه الديمقراطية، إلى الشماتة من مشاهد الفوضى. وأثار الاختراق العنيف لمبنى الكابيتول، الذي تسبب في مقتل 4 أحدهم بإطلاق نار، مخاوف «أمنية خطيرة»، ودفع قادة مجلسي النواب والشيوخ لمراجعة تعامل الشرطة المكلفة حماية أعضاء الكونغرس ومبانيه، مع الحشد الموالي لترامب، الذي أجبر المشرعين على الاختباء تحت مكاتبهم وارتداء أقنعة الغاز.واستخدم أنصار ترامب مواد كيميائية مهيجة، خلال احتلالهم مجمع الكابيتول، قبل أن تتمكن الشرطة من إجلائهم بعد محاولات استمرت 4 ساعات وكشفت الخلل في خطط السلطات الفدرالية وتباطؤ وكالات إنفاذ القانون في الاستجابة لتأمين أهم وأعلى رموز السلطة في الولايات المتحدة.وفي تهديد ضمني، قال إنريكي تاريو، زعيم جماعة «براود بويز»، اليمينية المتطرفة، إنه يتوقع المزيد من الاضطرابات الشبيهة بأحداث الكابيتول.وفي اتصال هاتفي مع «وول ستريت جورنال»، ألقى تاريو باللوم على الديمقراطيين والرئيس المنتخب بايدن لـ«عدم الاستماع إلى مخاوف ناخبي ترامب بشأن شرعية الانتخابات»، مضيفاً أن «هذا سيستمر في الحدوث إذا لم يستمعوا إلى الناس».وتابع: «من المحتمل أن يتكرر هذا، سواء في الكابيتول أو مقرات حكومات الولايات أو بعض المباني الحكومية الأخرى»، مؤكداً «لا أريد أن يحدث ذلك، لكن لحسن الحظ هذا تذكير لهؤلاء السياسيين بأنهم يعملون لدينا. نحن لا نعمل من أجلهم... الناس سيعودون إلى هنا (الكابيتول) من أجل التنصيب. قد نظهر. لم نقرر بعد».(واشنطن- وكالات)